الركود الأميركي: هل من محفزات أخرى!
لقد كنا على وشك السقوط في هاوية ما لها من قرار، لكننا تمكنا من التراجع عن الحافة بمعجزة. مع ذلك لا يمكن وصف الموقف الحالي بأنه "تعافٍ قوي". فالركود قد يكون انتهى نظرياً، على أساس أن النمو أصبح إيجابياً. لكن الحقيقة هي أن الركود لا يزال أبعد ما يكون عن الانتهاء، لاسيما بالنسبة لمن فقدوا وظائفهم، ومن يعجزون عن بيع إنتاجهم.
الرقم الرسمي لنسبة البطالة هو 10 في المئة، لكن عندما نأخذ في الاعتبار هؤلاء الذين توقفوا عن البحث عن العمل، لأن الركود قد استمر لفترة أطول مما ينبغي، فسوف يتبين لنا أن الصورة سيئة للغاية. فنظرا لأن إحصائيات "مكتب العمل الأميركي" لا تجمع بيانات عمن تخلوا عن السعي لعمل، أو اكتفوا بالعمل في وظائف لنصف الوقت، فإن نسبة البطالة الحقيقية قد تزيد عن 19 في المئة.
هذا يشي بوضع قاتم في الحقيقة، ولا شك أنه سيصبح أكثر قتامة لمن تجاوزوا الخمسين، وقاتماً أكثر للشباب السود الذين يعاني نصفهم من البطالة.
ماذا يعني ذلك إذن؟ يعني أن التعافي الاقتصادي لم يكن على درجة من القوة تمكنه من خلق وظائف كافية للملتحقين الجدد بسوق العمل، ناهيك عن تقليص نسبة البطالة إلى 5 في المـئة. ولكي يحدث ذلك، يتعين أن يكون هناك نمو بنسبة 3 في المـئة سنوياً على الأقل. وشخصياً لا أعتقد أن نسبة النمو خلال عامي 2010 و2011 ستتجاوز ذلك المستوى.
المشكلة الجوهرية هي أن ما حافظ على هذه المستويات من النمو في سنوات ما قبل الأزمة، هو اقتصاد الفقاعة الذي سمح للناس بالعيش في مستويات تفوق إمكانياتهم عن طريق الاقتراض. فخلال عام واحد فقط، اقترض الأميركيون 950 مليار دولار، كما هبط معدل الادخار إلى درجة الصفر.
والجانب السلبي من انفجار الفقاعة يتمثل في انخفاض الاستهلاك. ورغم أن هذا الانخفاض يعد شيئاً جيداً على المدى الطويل، فهو يمثل مشكلة في المدى القصير. لذلك فإن الدعوة من أجل عودة المستهلكين مجدداً إلى الاستهلاك، لن تجدى نفعاً، بل الأجدى تجنب العودة إلى نمط العيش الذي يتجاوز حدود القدرات، بمعنى أنه لا فرصة لتحقيق تعافٍ قوي، إذ بدون استهلاك كبير لن تكون هناك استثمارات كبيرة.
في أزمة 1997ـ 1998 تمكنت دولة مثل كوريا الجنوبية من الخروج من أزمتها بتصدير ما صنّعته إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي استطاعت استهلاك منتجاتها. لكن مع تدهور الأحوال في الولايات المتحدة وأوروبا هذه المرة، فلن نستطيع الخروج من أزمتنا الحالية عبر تصدير منتجاتنا، خصوصاً وأن التجارة مع المريخ ليست كبيرة بما يكفي حتى الآن!
هناك جزء من العالم يتعافى بشكل جيد هو آسيا، لكن النمط السائد في آسيا هو أن طلبها على السلع والبضائع صغير إلى حد لا يسمح بتعويض النقص في الطلب على منتجات الولايات المتحدة والذي يمكن أن ينتشلها من مأزق الركود. وهذا يعني أن الحكومة وحدها هي من يمكنه سد الفجوة. وفي هذا المجال نلاحظ أن حزمة التحفيز الأميركية أحدثت فارقاً، فلولاها لكان معدل البطالة قد ارتفع إلى 12 في المئة.
لكن من نواحي القصور الرئيسية التي عانتها حزمة التحفيز الأميركية، كونها لم تأخذ في حسبانها المشكلات المالية التي سيخلقها الركود لكل ولاية على حدة، وللولايات المتحدة عامة. وهكذا ففي الوقت التي كانت فيه الحكومة الفيدرالية تزيد الإنفاق، كانت حكومات الولايات تقوم بتقليصه.
ما العمل إذن؟ على الكونجرس الأميركي تمرير حزمة تحفيز أخرى في عام 2011. وعليه أن يشتبك في نهاية المطاف مع أزمة الرهن العقاري التي أدت إلى التداعي الاقتصادي، خصوصا إذا ما عرفنا أنه من المتوقع أن تبلغ حالات الحجز على العقارات نحو 3 ملايين حالة خلال العام الحالي. كذلك يجب على البنوك البدء في الإقراض مرة أخرى، خصوصاً وأن المشروعات صغيرة الحجم ومتوسطة الحجم هي القادرة على توفير الوظائف أكثر من غيرها. وكان هذا هو دافع الحكومات لإنقاذ البنوك من الانهيار، حتى وإن لم تنجح هذه السياسة بالشكل الذي كان متوقعاً. ليس هناك حتى الآن قيود على البنوك، فهي تنال ائتماناً بفائدة صفر في المئة من الاحتياطي الفيدرالي، لكنها تنظر حولها في مختلف أنحاء العالم بحثاً عن فرص استثمارية في الاقتصادات الأكثر قوة، وليس داخل الولايات المتحدة! لذلك فالبنية التنظيمية للبنوك هي إحدى أكثر المشكلات التي تعانيها الولايات المتحدة. والشيء اللافت أن منظومة الحوافز في المؤسسات المصرفية، تشجع على اتباع نفس النمط من المخاطرة قصير النظر، والذي أوصلنا إلى المأزق الحالي.
ومن التطورات المرحب بها في هذا السياق، أننا نناقش حالياً في مؤتمرات الدول الكبرى العشرين G-20، وغيرها، الكيفية التي يمكن لنا بها تغيير منظومة الحوافز من أجل دفع البنوك للتصرف بطريقة أفضل. والتعاون الدولي في هذا المسعى سوف يكون هو الشيء المفضل، خصوصا إذا ما عرفنا أن البنوك بارعة في الأمور المتعلقة بالمراجحة المالية (شراء الأدوات المالية من سوق وبيعها في سوق آخر)، وفي إرسال رأس المال إلى الدول التي تقل فيها القيود التنظيمية على البنوك.
من أوروبا يبدو المشهد وكأن أميركا تجرجر قدميها. فالأوروبيون أكثر تصميماً بكثير على القواعد والقيود التنظيمية للبنوك. ويتبين هذا من تصريح لرئيس البنك المركزي البريطاني قال فيه: "إذا ما كنت أكبر من أن تسقط فأنت أكبر من أن توجد في الأساس". ويرى الأوروبيون أن الحوافز التي تؤدي إلى المخاطرة المفرطة يجب الحد منها، خصوصا بالنسبة للبنوك التي يمكن أن تُعرّض اقتصادا بأكمله للخطر.
وفيما يتعلق بالصين فمما جعل اقتصادها يتعافى بشكل جيد، أن الصينيين قرؤوا جيداً كل الكتب المنهجية التي دبجها الأميركيون عن الاقتصاد الكبير والتي تجاهلوها تماماً. فمن المبادئ الأساسية أنه عندما يكون لديك اقتصاد ضعيف، فإن الحكومة هي التي يجب أن تنفق. وهذا ما يقوم به الصينيون عبر الاستثمارات قصيرة الأجل والتي توفر قاعدة قوية للنمو الاقتصادي طويل الأجل. ومثلا يشمل التحفيز الصيني الإنفاق على خطوط القطارات فائقة السرعة. ومثلما أدى خط السكة الحديدية الذي يخترق أميركا من شرقها إلى غربها إلى تغيير الجغرافية الاقتصادية للولايات المتحدة، فإن خطاً شبيها بذلك من القطارات الفائقة السرعة سوف يحقق نفس الفائدة للصينيين.
والآن، فالحقيقة التي لا مراء فيها هي أن نظامنا الاقتصادي قد أخفق في القيام بدوره، كما لم يقم بوظيفته الاجتماعية.
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تربيون ميديا سيرفيس"