مفهوم الأيديولوجيا، ماهية الدولة، معنى النظام السياسي، وأخيراً موقف الإسلام منه... مواضيع أربعة شكلت مدار بحث متعمق في كتاب "أيديولوجيا النظم السياسية والإسلام"، لمؤلفه الدكتور أشرف حافظ الذي يحاول استكناه حقيقة أيديولوجيا النظم السياسية ومحددات موقف الشرع الإسلامي منها، بـ"منهجية عقلانية وموضوعية وبعيدة عن التعصب وتقديس التراث"، فيتوقف مطولا عند مصطلح الأيديولوجيا بما يحتويه من موضوعات ومجالات، موضحاً الفارق بينه وبين الفلسفة والدين والحضارة وهوية المجتمع، وصلته بها جميعاً. ويتطرق المؤلف أيضاً إلى التنازع بين الأيديولوجيات إذ تحاول كل أيديولوجيا على حدة إثبات صحتها، وذلك لأن الأيديولوجيا تتكون من ذات مفكرة متبلورة في العقل الجمعي للمجتمع، حيث يجري استعمالها تبعاً لهوية ذلك العقل الجمعي المتأثر بثقافته ومعتقداته وقيمه وتقاليده. وإلى ذلك فإن الأيديولوجيا كنسق فكري محدد، تنطوي على عدة موضوعات تتفاوت في الأولوية ودرجة التركيز على إبرازها، فإن كان الموضوع الأبرز والأولى فيها اقتصادياً، وإلى جانبه موضوعات أخرى مساعدة، كانت أيديولوجيا اقتصادية، وإن كان ذلك الموضوع دينياً (مع موضوعات مساعدة أخرى) كانت أيديولوجيا دينية. وحيث أن الكتاب يهتم أساساً بأيديولوجيا النظم السياسية، فإن موضوعه البارز أو الأساسي هو السياسة، أما موضوعاته المساعدة المتضمنة في الموضوع المقدم فتضم الاقتصاد والدين والأخلاق وغيرها، لذلك نجده يغوص في التفاصيل المتناثرة حول مفهوم الدولة وأنواع النظم السياسية، مؤكداً أن وجود الدولة هو الأساس الذي ينبني عليه النظام السياسي، لذلك يستحيل تصور أحدهما دون الآخر. وفي هذا الصدد يناقش المؤلف مفهوم الدولة وشخصيتها، والاتجاهات التي حاولت تفسير نشأتها، لاسيما الاتجاه الثيوقراطي، والاتجاه السياسي الاجتماعي، والاتجاه التاريخي... وما ينتج عن تلك الاتجاهات من آراء بصدد وظائف الدولة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. ثم يعرض المؤلف لأنماط الدول؛ كالدولة البسيطة، والدولة المركبة (الاتحادية)، والدولة كاملة السيادة، والدولة ناقصة السيادة. وخلال ذلك يجدد تأكيده على أن الدولة هي الأساس الذي تنبني عليه أيديولوجية النظم السياسية، بل يعتقد أن فكرتها تهدف بالأساس إلى تفسير وتبرير ظاهرة اجتماعية هي السلطة السياسية في المجتمع وكيفية استخدامها! السلطة السياسية أو النظام السياسي، هو أيضاً أحد مدارات البحث في هذا للكتاب، إذ يعرض أنواع النظم السياسية على اختلاف فلسفاتها، ويشرح التعريفات المتعددة لعلم السياسية، وعلاقته بمفاهيم مثل المجتمع والدولة والسلطة والقوة والمصلحة والصراع والقانون والأمن. وفيما يتعلق بأنواع الحكومات؛ يتطرق الكتاب إلى النظام الفردي (الأوتوقراطي) الذي تنحصر فيه السلطة بيد شخص واحد بصرف النظر عن ألقابه، وإلى ما ينتج عن ذلك النظام من آثار في الواقع وفي العقل الجمعي لمجتمعه. ثم النظام الارستقراطي الذي قام تاريخياً على نظرية "الحق الإلهي"، ويتركز السلطان فيه بيد فئة قليلة من الناس هم فئة الخواص، لكنه اختفى من الحياة السياسية في الغرب وحلت محله الملكيات الدستورية، وهي أنظمة تتوزع فيها السلطة على هيئات مختلفة، وإن تمحورت جميعها حول الملك إلا أنه لا يهيمن على السلطة التنفيذية ولا يشترك في السلطة التشريعية إلا بواسطة وزراء الدولة. أما النوع الثالث من أنواع أنظمة الحكم فهو النظام الديمقراطي الذي يعتمد على فكرة سيادة الأمة، ويتلخص في حكم الشعب، ويعبر عن مجموع إرادات أفراد المجتمع، ويستند كأساس فلسفي له على مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة. وهناك نوعان من النظام الديمقراطي مستمدان من طرق تطبيقها وأساليب ممارستها: الديمقراطية المباشرة، حيث يحكم فيها الناس أنفسهم دون واسطة. لكن هذا النوع النادر عملياً له شروطه المعقدة ويصعب تطبيقه في الواقع. أما النوع الثاني، أي الديمقراطية النيابية، فهو السائد حالياً في غالبية الدول الحديثة، حيث يستعاض عن الأمة بممثلين تنتخبهم. وأخيراً يناقش الكتاب موقف الإسلام من تلك النظم، متسائلا ما إذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أقرا بنظام سياسي محدد، أم تركا التحديد والتعيين لما يتلاءم مع مقتضيات كل عصر وظروفه؟ يجيب المؤلف بالقول إن القرآن والسنة لم يأمرا بنظام سياسي معين ولم ينهيا عن نظام آخر، لكن خلطاً معرفياً حدث بين الدين والتاريخ نشأ عنه اتجاه يعتبر الخلافة أو الإمامة نظاماً إسلامياً واجب التطبيق. وقد خلط هذا الاتجاه أيضاً بين الأمور الاجتهادية، والتي تركها الإسلام للعقل الإنساني حسب مقتضيات الواقع، وبين القواعد الشرعية الثابتة. بل إن عدم تحديد كيفية معينة لإدارة الحياة السياسية بشكل قطعي ونهائي، يتفق مع طبيعة المنهج الإسلامي في تقرير مبادئ كلية في كل مجال من مجالات الحياة على حدة، وأحدها المجال السياسي حيث قرر مبدأ الشورى كخط عام، تاركاً التفاصيل لمقتضيات العصر ولكي تتخذ كل دولة الشكل أو النظام الذي يتلاءم مع أحوالها ومتطلبات عصرها. ومعنى ذلك أن الإسلام ترك للمسلمين اختيار النظام السياسي الذي يلائمهم، مع الأخذ في الاعتبار تجربتهم وتجربة المجتمعات الأخرى في هذا الشأن، بحيث يستخلصون ما يرون أنه الضمانة الأفضل لتحقيق العدالة في المجتمع. محمد ولد المنى الكتاب: أيديولوجيا النظم السياسية والإسلام المؤلف: د. أشرف حافظ الناشر: كنوز المعرفة تاريخ النشر: 2009