"النووية" في الخليج: نماذج وشروط
"الطاقة النووية في الخليج"، كتاب يزيد عن خمسمائة صفحة، ويتكون من أربعة أقسام هي: "خريطة طريق لقدرات نووية سلمية"، و"إدارة القطاع النووي: الفرص والمخاطر"، و"حالات دراسية لبرامج الطاقة النووية المدنية"، وأخيراً "الطاقة النووية في المنطقة: نظرة مقارنة". وتحت هذه الأقسام نطالع اثني عشرة دراسة عرضها نخبة من الخبراء خلال المؤتمر السنوي الرابع عشر للطاقة الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في نوفمبر 2008. وتبين مجمل الدراسات الواردة في الكتاب دوافع تطوير برامج طاقة نووية سلمية في دول الخليج، والإشكالات المحلية والإقليمية لهذه البرامج، ودور الطاقة النووية في سياق أمن الطاقة وتغير المناخ، كما تستطلع فرص ومخاطر إدارة الطاقة النووية، وتستعرض البنية التحتية الأمنية ومعايير منع انتشار الأسلحة النووية، ودور التعاون الدولي في مجال التكنولوجيا النووية. وإلى ذلك فالكتاب يحلل الميزات الاقتصادية لخيار الطاقة النووية، ومضامينه السياسية والاجتماعية، اعتماداً على دراسة حالتي اليابان وألمانيا، ويقدم نظرة مقارنة لتقويم البرامج النووية لكل من إيران وإسرائيل وباكستان والهند.
والحقيقة أنه إضافة إلى شبح أزمة الطاقة المخيم على العالم، بسبب المخاطر الأمنية، والطلب المتنامي على طاقة الوقود الأحفوري... فإن هواجس الأزمة تأخذ أبعاداً أخرى في منطقة الخليج. فرغم كونها المنطقة الأغنى بالنفط في العالم، فإن حاجتها المتزايدة لتحلية مياه البحر، وإمكانية نضوب الوقود الأحفوري، وتزايد معدلات النمو بالمنطقة... عوامل حفزت دولها على التفكير في تطوير طاقة نووية سلمية، لتكون مصدراً بديلا لتوليد الطاقة.
ويشدد هانز بلكس في كلمته الرئيسية على ضرورة التزام كل الأطراف بالبروتوكول الإضافي لوكالة الطاقة الذرية، بما يقوي سلطتها الرقابية والتفتيشية؛ منعاً لأي نشاطات نووية سرية.
ويتفق معه جنجمن كانج الذي يقول إن دول الشرق الأوسط، لكي تضمن نجاح مشروعاتها النووية، يجب أن تطبق معايير السلامة النووية، وتوثق وشائج التعاون مع الجهات الدولية في ميادين ضمان إمدادات الوقود النووي، وإدارة الوقود المستنفد، ومنع الانتشار النووي، وتوفير متطلبات السلامة النووية.
وفي موضوع الشفافية النووية، يناقش شتاينباك حالة نووي إسرائيل، قائلا إنه كثيراً ما يتم تجاهل الترسانة النووية الإسرائيلية الهائلة والتقليل من شأنها، رغم أن إسرائيل حالياً خامس أكبر قوة نووية في العالم. كما يبين شتاينباك المساعدة التي قدمتها فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما لتمكين إسرائيل من تطوير ترسانة نووية سرية تضم: قنابل انشطارية، ونترونية، وقنابل نووية حرارية.
وفيما يخص الخليج فهو يتمتع بالموارد المالية اللازمة لإنشاء برامج الطاقة النووية وتشغيلها. لكن ستيفن توماس، في مراجعته النتائج الاقتصادية المترتبة على خيار الطاقة النووية، يحذر من أن عام 2009، لن يكون مناسباً للشروع في مثل هذه البرامج؛ وذلك بسبب أسعار البناء غير الثابتة، والمكاسب الاقتصادية غير المؤكدة، ونقص الخبرة النووية في كل أنحاء العالم، والتصميمات الجديدة للمفاعلات الحديثة غير المجربة.
وفي هذا الصدد، يقدم يوسف شاتيلا ومجيد كاظمي لمحة عن التطورات التي حققها معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، مركزين على أهمية دور التدريب التقني في تطوير برنامج نووي، ويقران بالحاجة لقدر كافٍ من تدريب المهندسين، والعلماء، ومديري محطات الطاقة، ومحامي قطاع الطاقة، والمـسؤولين الحكوميين ذوي الدراية، ومسؤولي المشتريات... إلخ. كما يناقش الباحثان تطوير مفاعلات عالية الكفاءة وصديقة للبيئة.
وإلى ذلك يناقش مالكولم جريمستون العوامل الفنية لتبني الطاقة النووية في المنطقة، ودور العوامل السياسية والاجتماعية أيضاً في التطور النووي.
وفي باب التجارب النموذجية، تقدم جنكو أوجاوا لمحة شاملة عن البرنامج النووي السلمي الياباني، موضحة أن اليابان دولة ذات موارد طبيعية محدودة، والطاقة بالنسبة لها ذات أهمية استراتيجية كبرى، وقد أولت تجاربها المروعة السابقة أهمية، وبدأت في تطوير التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية.
المثال الثاني هو ألمانيا، رابع أكبر منتج للطاقة النووية في العالم، حيث تناقش كريستين فيستفال إنهاء العمل تدريجياً بالبرنامج النووي الألماني، في ارتباط بتوسيع الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء وتوزيعها.
أما راجاجوبالا تشيدامبارام وكومار سينها فيقدمان تجربة تطور البرنامج النووي الهندي، موضحَين أنه استهدف بالأساس تطوير الاقتصاد والنهوض بالمجتمع، مع تعزيز إمكانات الطاقة من مصادر اليورانيوم والثوريوم المتوافرة... لكن لكي تكون الطاقة النووية تكنولوجيا مستدامة، يرى الباحثان ضرورة إغلاق دورة الوقود النووي.
وأخيراً، يقدم "أنصار بارفيز" و"غلام رسول آثار" لمحة مختصرة عن التقدم الذي أحرزته باكستان، مبينَين إسهام هيئة الطاقة الذرية الباكستانية في تطور برنامج الطاقة النووية الوطني.
بعد مراجعة هذه القصص ونماذج النجاح النووي الأخرى حول العالم، يستنتج عبدالغني مليباري أن الرؤية النووية المستدامة لدول مجلس التعاون يجب أن تكون جزءاً من استراتيجية خاصة بإدارة مصادر الطاقة، معطياً مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية أولوية إضافية.
أما محمود نصر الدين، فيرى أن تبني خيار الطاقة النووية في الخليج سيعتمد على عوامل داخلية، مثل توافر مصادر الطاقة، والمخاوف البيئية، وموقف المجتمع المدني، ومناخ الاستثمار، والبنية التقنية للطاقة النووية. هذا إضافة إلى أهمية توفر الوقود النووي المعتمد على مخزونات اليورانيوم. كما أن مسائل؛ مثل: إدارة النفايات النووية، وضمان السلامة النووية، وتوافر الخبرات النووية... أمور ستحدد مصير "النهضة النووية". ولضمان النجاح فيها، "سيكون مطلوباً من الدول ذات الإمكانات النووية أن تسهم في تطوير مفاعلات أكثر سلامة وأقل تكلفة".
محمد ولد المنى
الكتاب: الطاقة النووية في الخليج
المؤلفون: جماعة
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2009