كان الشيخ اللبناني "نجيب الحداد"- منشئ جريدة "لسان العرب" في الأسكندرية، وحفيد الشيخ "ناصيف اليازجي"- أول من استعمل لفظة "الصحافة" بمعناها الحالي، وإليه يرجع الفضل في اختيارها، يقول فيليب دي طرازي في "تاريخ الصحافة العربية". فقلّده سائر الصحافيين من بعده. وكانت الصحف تسمى في أول عهدها "الوقائع"، ومنها "الوقائع المصرية"، كما دعاها رفاعة بك الطهطاوي. وسُميت أيضاً "غزتة Gazette نسبة إلى قطعة نقود كانت الصحيفة تباع بها، وقيل إن أول صحيفة ظهرت في البندقية سنة 1566 كانت تسمى "غزتة"، فشملت هذه التسمية كل صحيفة بلا استثناء، بما فيها الصحف العربية عندما ظهرت، ولما أنشأ "خليل الخوري" سنة 1858 جريدة "حديقة الأخبار" في بيروت أطلق عليها لفظة "جرنال"، وهي كلمة فرنسية معناها "يومي". ثم رأى "رشيد الدحداح" اللبناني صاحب جريدة عربية في باريس أن يسميها "صحيفة"، في حين اختار القس "لويس صابونجي" السرياني لفظة "نشرة " بمعنى جريدة أو مجلة. وقد تنوعت أسماء الصحف والمجلات العربية كما في كل أمة ولغة وثقافة. ولكن تاريخ الصحافة العربية يحتفظ بمجموعة من الأسماء النادرة والمضحكة أحياناً. فمن صحف مصر مثلا "القنبلة"، التي صدرت عام 1909 و"الصاعقة" 1897، و"رائد الليل" 1897 و"الشيطان" 1898، و"النسناس" 1901 و"ها ها ها" 1907 و"عفريت المقاولين" 1908. ومن صحف لبنان وسوريا وفلسطين "حمارة بلدنا" 1910، و"البغلة" 1913 و"حمارة الجبل" 1913 و"العفريت" 1920 و"ضاعت الطاسة" 1910 و"على كيفك" 1927 و"العصا لمن عصى" 1912. ومن صحف العراق "الانقلاب" 1909، ومن تونس "المزعج" 1906 و"المنجنيق" 1923، ومن الجزائر "الطاعون" 1908، من البرازيل "الهراوة الصفراء" 1919! بدأت الحقبة الأولى من تاريخ الصحافة العربية عام 1799 وامتدت سبعين عاماً حتى 1869. ورغم أن شمس هذه الصحافة قد بزغت في القاهرة على يد الحملة الفرنسية والجنرال بونابرت، فإن أهل الشام من سوريين ولبنانيين لعبوا دوراً أساسياً في تطورها داخل العالم العربي وفي المهاجر المختلفة، وبخاصة أتباع الديانة المسيحية منهم. "ناصيف اليازجي" و"بطرس البستاني"، الذي أنشأ منفرداً ومتحداً مع نجله البكر "سليم البستاني" أربع صحف شهيرة، إلى جانب كونه موسوعياً رائداً، ومن أعظم أركان النهضة العلمية في القرن التاسع عشر، رغم أنه توفي في الرابعة والستين من عمره. ومن هؤلاء من هو في غنى عن التعريف مثل الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق صاحب كتاب "كشف المخبأ عن فنون أوروبا" و"الساق على الساق فيما هو الفارياق" والفارياق لفظ مقتطع من اسمه فارس الشدياق، وكتاب "الجاسوس على القاموس". ومن رجال هذه الحقبة "الكونت رشيد الدحداح" الذي نال لقبه عام 1867 من البابا "بيوس التاسع". وقد ابتاع عام 1875 على ساحل بحر المانش في شمال فرنسا قرية صغيرة تدعى "دينار" مع الأراضي المجاورة لها، فأنشأ فيها بلدة كانت تُعد من أنظم البلدان وأحسنها موقعاً وأجودها مناخاً. ومن رجال هذه الحقبة "خليل الخوري"، و"رزق الله حسون" الذي كان من أسرة أرمنية هاجرت من بلاد فارس وقيل من "ديار بكر" بتركيا. ومن هؤلاء الرجال "ميخائيل مدور" و"الحاج حسين بيهم العيتاني الشافعي، الذي درس على شيوخ زمانه كالشيخ عبدالله خالد والشيخ محمد الحوت. وكان من رجال صحافة هذه الحقبة "سليمان الحرائري" وينتمي إلى عائلة فارسية قديمة نزحت إلى شمال أفريقيا حيث ولد سليمان في تونس عام 1824، ثم رحل إلى باريس حيث عينته حكومتها أستاذاً للغة العربية في مدرسة الألسن الشرقية. وأثناء وجوده في عاصمة الفرنسيس، يقول طرازي، استلم سليمان تحرير جريدة "برجيس باريس" التي كان أنشأها الكونت رشيد الدحداح، فنشر فيها قسماً من "سيرة عنترة" وكتاب "قلائد العقيان" للفتح بن خاقان، وعرَّب بعض الكتب الأوروبية في العلوم المستحدثة والاختراعات الجديدة. ومن هؤلاء الرجال "يوسف الشلفون"، الذي تعد عائلته من أقدم العائلات المارونية في بيروت، وكان جده حاكماً على ساحل لبنان، وقد درس يوسف أصول اللغة العربية ثم اتخذه "خليل الخوري" مرتباً للحروف في "المطبعة السورية" التي أنشأها سنة 1857 لنشر جريدة "حديقة الأخبار"، فتعلم حينئذ فن الطباعة وأتقنه حتى صار من الماهرين في هذه الصناعة التي زاولها أكثر أيام حياته. وقد أنشأ وأصدر عدة صحف ومجلات منها "الزهرة" و"النجاح" و"التقدم"، وهو كذلك صاحب ديوان "أنيس الجليس". تمتد الحقبة الثانية في حياة الصحافة العربية، في رأي مؤرخها فيليب طرازي، من عام 1869، تاريخ افتتاح قناة السويس، إلى عام 1892، التذكار المئوي الرابع لاكتشاف العالم الجديد أي القارة الأميركية. ولا أدرك تماماً العلاقة بين افتتاح قناة السويس والذكرى الرابعة لاكتشاف العالم الجديد من جانب، والصحافة العربية من جانب آخر. ولكن المؤرخ بذل جهداً فريداً من نوعه في رصد كل "صحافة المهجر" العربية تقريباً في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين. وكانت "كوكب أميركا"، التي أصدرها د. إبراهيم ونجيب عربيلي في 15 أبريل 1892 في مدينة نيويورك، أول جريدة عربية تظهر في العالم الجديد كله. وقد قاسى مؤسساها مصاعب جمة ومتاعب كثيرة في سبيل مشروعهما لخلو تلك الديار البعيدة من لوازم الطباعة العربية وحروفها، ولأن الدولة العثمانية، يضيف فيليب طرازي "منعت بأمر سلطاني بيع الحروف العربية وتصديرها إلى البلاد الأجنبية"، فاضطرا إلى اتخاذ وسائل فعالة لبلوغ أمنيتهم. وكان أقوى مساعد لهما سفير الولايات المتحدة الأميركية في عاصمة بني عثمان، وهكذا تيسر لهما بعد عناء شديد وصبر طويل استحضار الحروف العربية من بيروت مع مرتبيها". ويبدو أن صورة العرب كانت مشوهة حتى في تلك المرحلة المبكرة في تلك القارة، فانهمكت جريدة "كوكب أميركا" في كتابة المقالات "عن أحوال الشرق الأدنى وأخباره وعادات أهله، نفياً لما كان ينقله السياح الأميركيون عن الشرقيين من الروايات المخالفة للحقيقة. فإن فريقاً من سكان أميركا كانوا إلى ذلك الحين يظنون الشرقيين من المتوحشين". ولما كانت خطة الجريدة معتدلة حرة المبدأ تنشر الأخبار الصادقة وتنقلها إلى القراء على عِلاّتها بلا تحيز ولا تحزب، يقول طرازي، فقد انتشرت على نحو واسع في السلطنة العثمانية وسائر أنحاء المعمورة. واشتهرت الجريدة في وصف معرض شيكاغو سنة 1893 ونشر صور أبنيته. كما أنها من جانب آخر، "كانت تتفادى ذكر الأخبار الجارحة التي تحط من كرامة أهل بلادنا في عيون الغربيين". وهكذا نجد أن بعض ملامح "الإعلام العربي في الخارج" ولدت منذ ظهوره في تلك البلدان! أصدر عرب المهجر صحفاً كثيرة في الولايات المتحدة، ففي نيويورك أصدروا "كوكب أميركا" و"العصر" و"مرآة الغرب" و"الصخرة" و"الراوي" و"الشمس" و"المهاجر" وصحفاً أخرى بلغ مجموعها في نيويورك وحدها 35 جريدة، وفي بوسطن خمس جرائد، وكذلك في "ديترويت" و"فيلادلفيا" و"سانت لويس"، وأصدروا الصحف كذلك في كندا والمكسيك، كما أصدروا في بعض هذه المدن والدول كذلك العديد من المجلات، ومنها مثلا مجلة نسائية اسمها "العالم الجديد النسائي"، التي تحول امتيازها عام 1912 إلى السيدة عفيفي كرم، وهي أول مجلة عربية نسائية ظهرت في جميع الأقطار الأميركية. وصدرت صحف لبنانية وسورية في البرازيل والأرجنتين وشيلي منذ عام 1896، وكذلك في كوبا وجمهورية الدومينكان والأورجواي وغيرها.