عمل "جوريس لويند يجك"، مؤلف كتاب "أناس مثلنا: إساءة تمثيل الشرق الأوسط"، مراسلا لصحيفة هولندية في الشرق الأوسط، من 1998 إلى 2003، وعندما عاد إلى بلده هولندا وحاول كتابة كتاب عن تجربته وجد في ذلك عناءً كبيراً، لأنه اكتشف أنه لم يفهم الشرق الأوسط كما يجب. يقول عن ذلك: "لم أرد أن أكتب كتاباً أشرح فيه كيف يمكن للعالم العربي أن يصبح ديمقراطياً، ومتسامحاً، ولا كتاباً عن مدى سماحة الإسلام، أو عن من هو المخطئ ومن هو على حق في الصراع العربي -الإسرائيلي". لذلك ارتأى "يجك" أن يكتب هذا الكتاب كما لو كان يروي حكاية لصديق، فهذا من وجه نظره هو الأسلوب الأنسب، لأنه لا يمكن لأي صحفي أن يشرح ما يحدث في الشرق الأوسط على وجه الدقة. بدأ "يجك" عمله كمراسل صحفي في القاهرة، والتي درس في جامعاتها عندما كان في الـ26. وكانت مهمته تشمل تغطية مؤتمرات القمم، وأنشطة رئيس الجمهورية، وإجراء مقابلات مع شخصيات سياسية وفكرية. وتدريجياً اكتشف أن هذه الأنشطة لا تكفي لكشف حقائق ما يجري في مصر، وأنها تقدم الصورة من وجهة النظر الرسمية فحسب. اكتشف كذلك أن أي شخصية يجري معها حواراً، سواء أكانت شخصية رسمية أو أكاديمية، ينظر إليها عادة إما أنها مدفوعة من قبل الحكومة، أو أنها تتقاضى مقابلا لما تقوله. لاحظَ كذلك أنه عندما يجري لقاءً مع المواطنين المصريين العاديين فإنهم يترددون كثيراً في الحديث، خوفاً من أجهزة الأمن أو الوقوع تحت طائلة القانون. لذلك، ورغم السنوات التي قضاها هناك، فإنه لم يستطع أن يكون صورة دقيقة وشاملة عن هذا البلد المحوري في الشرق الأوسط، ولا أن ينقل مثل هذه الصورة لقراء صحيفته في هولندا. أدرك أيضاً أن ما يفاقم الصعوبة التي يواجهها المراسل الأجنبي في نقل الصورة الحقيقية، سواء في مصر أو أي بلد عربي آخر، هو عدم إجادة الغالبية العظمى من المراسلين للغة العربية وعجزهم عن التواصل مع المواطنين من أبناء تلك البلاد والذين لا تجيد غالبيتهم العظمى أي لغة أجنبية. ورغم أن المؤلف كان يجيد التحدث إلى حد ما بالعامية المصرية فإن ذلك لم يفده إلا بقدر محدود ولم يساعده على استجلاء الصورة، ولا معرفة الإجابة على كثير من الأسئلة التي بدأت تتردد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مثل: كم من العرب يؤيد الجماعات الإسلامية العنيفة؟ وكم منهم يؤيد الجماعات الإسلامية التي لا تعتمد نهج العنف؟ وهل فعلا هذه الجماعات غير عنيفة أم تدعي ذلك؟ يرى المؤلف أنه ولكافة الأسباب التي ذكرها من قبل، كان من المستحيل عليه معرفة الإجابة الشافية عن مثل تلك الأسئلة، أو معرفة حقائق الأوضاع والصورة الكاملة لما يجري في بلدان الشرق الأوسط. يحاول الكتاب شرح المأساة -الملهاة التي وقعت أحداثها بعد الحادي عشر من سبتمبر، وذلك عندما حاولت الولايات المتحدة تغيير الشرق الأوسط من خلال اتباع أساليب؛ مثل إرسال العملاء ورجال الاستخبارات للحصول على المعلومات التي ثبت فيما بعد عدم دقتها وكانت سبباً في تقييمات خاطئة دفعت إلى قرارات خاطئة؛ مثل قرار غزو العراق ومن قبله أفغانستان، والقرارات الخاصة بنشر الديمقراطية عبر الضغط على الأنظمة العربية دونما تقدير دقيق لطبيعة الأمور، وتركيبة المجتمع، ومعادلة القوى الفاعلة في تلك البلدان... وهو ما أسفر عن بعض المفارقات؛ منها أن الضغط الأميركي لتطبيق الديمقراطية جاء بـ "حماس" إلى السلطة، وكان سبباً في كثير من المشكلات. ويرى المؤلف أن الخطأ في التقييم لم يكن بسبب عدم دقة المعلومات التي قدمها رجال الخدمات السرية، وإنما كان يمثل قصوراً فادحاً من جانب وسائل الإعلام الأميركية والغربية التي، وإن كانت الأسباب التي شرحها في كتابه قد وقفت حائلا بينها وبين تقديم الصورة الحقيقية، فإنها في أحيان كثيرة افتقدت القدرة على تحديد الموضوعات التي يجب التركيز عليها حسب أهميتها بالنسبة للمنطقة وليس بحسب أهميتها للدول التي تتبع لها تلك الوسائل الإعلامية. بعد القاهرة، انتقل "يجك" إلى لبنان، ثم إلى القدس لتغطية وقائع وتطورات الصراع العربي الإسرائيلي. وهناك اكتشف أيضاً صعوبة تقديم صورة حقيقية، إما بسبب التعتيم الإعلامي، أو بسبب عدم رغبة طرفي الصراع أو أحدهما على الأقل في التواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية... لذلك فعمل المراسلين هناك لا يعدو تقديم تعليق على الصور أو الشرائط المصورة التي يحصلون عليها، مجرد تعليق لا أكثر، ولا يساعد في جلاء الصورة أو شرح حقيقة ما يجري. وينعي المؤلف على وسائل الإعلام الغربية انحيازها للرواية الإسرائيلية حول ما يجري. فهي مثلا تعرض صور ضحايا العمليات الانتحارية الفلسطينية، لكنها لا تقدم صورة كاملة أو حتى جزئية للمعاناة والإذلال اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون والذي يدفعهم لتنفيذ تلك العمليات. سعيد كامل --------- الكتاب: أناس مثلنا: إساءة تمثيل الشرق الأوسط المؤلف: جوريس لويند يجك الناشر: سوفت سكلز برس تاريخ النشر: 2009