أهداف العملية التعليمية
يوجد سؤال سرمدي يطرح نفسه دائماً في كل مجتمع معاصر هو: ماهو الهدف النهائي من العملية التعليمية؟ ويعود السبب في سرمدية هذا السؤال إلى ارتباطه المباشر بقدر ما ترصده المجتمعات المختلفة من ميزانيات للتعليم بكافة مستوياته، وبقدر ما تفتتحه سنوياً من مدارس جديدة، وبقدر عدد الناشئة الذين ينتظمون في فصول تلك المدارس، وبقدر ما يتم تخريجه من مدارسها ومعاهدها وكلياتها وجامعاتها من أفواج المتعلمين سنوياً، وبقدر مايحتاجه ويستوعبه سوق العمل لديها.
من المعلوم أن الأهداف الشاملة للتعليم الحديث، تكمن في أنه يعتبر من المتطلبات الجوهرية، التي لابد وأن يضطلع بها كل مجتمع يطمح في اللحاق بركب الحضارة والمدنية، لذلك من المفترض أن يهدف التعليم إلى إعداد المواطنين لكي يصبحوا بشراً خلاقين ومواطنين صالحين أصحاب شخصيات مستنيرة التفكير تصطبغ بروح وطنية عالية ذات ولاء تام للوطن ولقيادته، إن كانت صالحة وتعمل في صالح الوطن والمواطن. كما ويهدف التعليم إلى المساواة بين جميع المواطنين وإلى التغيير الاجتماعي الواعي القائم على التخطيط السليم الذي يقود دائماً نحو الأفضل، وإلى خلق المجتمع الديناميكي الفعال الدائم الحركة نحو الإنجاز، وإلى تحصيل المعرفة الحديثة من مناهلها العالمية بغرض استيعاب كل ماهو مستجد، خاصة التكنولوجيا الحديثة.
يتضح من ذلك أن العملية التعليمية متكاملة وذات طبيعة وحدوية وأدوار عميقة ومؤثرة في حياة المجتمع. وإذا كان الأمر كذلك فإن التكامل الذي يحتاجه التعليم الكفؤ لا يمكن أن يتوفر بشكل كامل عن طريق الموارد والمبادرات التي تتواجد في يد المؤسسات الحكومية وحدها، ولكن من الحتمي أن تأتي بشكل أنجع وأكثر تكاملاً وشمولية عن طريق إشراك المواطنين والقطاعات الأهلية والمؤسسات الوطنية الخاصة، لكي تساهم مالياً وأدبياً في القضايا الجوهرية المتعلقة بالتعليم. لذلك فإن المجتمعات الراغبة في إصلاح وتحديث وتغيير العملية التعليمية في أوطانها عليها العودة وبشكل متكرر إلى المشكلات الجوهرية التي تعاني منها العملية التعليمية، وإلى الأهداف العريضة التي يتوخاها المجتمع من وراء تدشين عمليات التنمية بمفاهيمها الشاملة.
إذا ما اتفقنا على تعريف التعليم بأنه العملية التي يتم عن طريقها استيعاب الناشئة الصغار من أفراد المجتمع لأنماط سلوك الفئات الاجتماعية التي يعيشون فيها، وذلك بطريقة يتم من خلالها تنمية وتطوير قوى أولئك الصغار الطبيعية بطريقة تمكنهم في المستقبل من الاضطلاع بأدوار فعالة في حياة المجتمع برمته، فإن ذلك يعني أن ضبط سلوك الفرد لكي يتساير مع الواقع الاجتماعي المعاش شأن إشكالي رئيسي يسترعي انتباه كافة الفئات الاجتماعية في المجتمعات البشرية المعاصرة، ويعود السبب في ذلك إلى أن الأنماط الاجتماعية في المجتمعات الحديثة ليست موروثة بالضرورة، فالكثير منها يكتسب مع تطور خط سير الفرد والمجتمع، وليس من الضروري أن يتم تدريب الناشئة على أنماط السلوك التي توافق عليها الفئة الاجتماعية التي يعيش الفرد فيها، لكي يصبح بعد ذلك مفيداً للمجتمع وفقاً لتطوره ومراحل نموه.
ففي الماضي مثلاً، وبالنسبة للشعوب التي كانت في بداية تطورها الحضاري تمت الاستعانة بوسائل عديدة لتحقيق ذلك، من تلك الوسائل الفولكلور ورواية الأحاجي، والقصص وتقديس الأشياء والأشخاص والأماكن، وفرض وجهة نظر الجماعة على الفرد قسراً، والتمسك بالطقوس والرسميات. وفي جميع تلك الوسائل عادة ما تواجدت تفسيرات للقوى الخارقة وقصص البطولة المرتبطة بالقادة والعظماء، وللتجارب الشخصية والتلميحات الخاطفة لعالم المعجزات الروحاني. وجميع تلك الوسائل تقدم، وهي مفعمة بالعواطف وبلغة فصيحة مؤثرة يقصد من ورائها التأثير في المستمع الصغير.
خاتمة القول هي أن أهم وظائف التعليم الحديث هي إعداد الناشئة لمواجهة تعقيدات الحياة العصرية مواجهة صلبة وعملية، فالشباب يجب أن يتزودوا بشيء من التدريب والتأهيل بطريقة تمكنهم خلال مسيرتهم في الحياة على الاستفادة القصوى بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم الذي يعيشون فيه بالخير، أي إعدادهم لكي يعيشوا حياة سعيدة. وبالتأكيد أن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يتوجب على التعليم تقديم قوالب جامدة لماهية الحياة السعيدة، فهذه القضايا تخضع لتأثيرات البيئة الاجتماعية التي يعيشها الفرد، مما يعني أن التعميم حولها عديم الفائدة.