تعارف الجميع في السنوات الأخيرة على أنه مع كل امتحانات للصف الثاني عشر (الثانوية العامة) يتجدّد الحديث عن صعوبة الأسئلة، فرغم الجهود التي تبذلها وزارة التربية لتطوير نظام الامتحانات، وبما يخدم الطلاب ويخفّف على أولياء الأمور أعباء هذه المرحلة المهمّة، والحاسمة في مستقبل أولادهم، فإن الثانوية العامة لا تزال تشكّل هاجساً للكثير من الأسر، وبحسب الصحف المحلية انتقد ثلاثة آلاف طالب امتحانات الفصل الثاني عشر، إما لصعوبة بعض الأسئلة، وإما لعدم وضوح بعضها الآخر. هذا الأمر يثير بدوره التساؤل حول فاعلية النظام الذي أعلنت الوزارة، مؤخراً، أنها توصلت إليه لتحليل نتائج امتحانات الثانوية العامة وجدواه، والذي يعتمد على تحليل نتائج امتحانات التقويم المستمر للفصلين الدراسيين للصف الثاني عشر وفق النظم والضوابط المعمول بها في الدول المتقدّمة، وإعادة توزيع الوزن النسبي للدرجات، بحيث تكون أربعين في المئة للفصل الأول وستين في المئة للفصل الثاني. والواقع أن نظام الانحراف المعياري في تقويم الامتحانات له مزاياه العديدة، وتصبّ معظمها في مصلحة الطلاب، وهو يتعاطى مع أي تجاوزات أو تقديرات مبالغ فيها من جانب بعض إدارات المدارس، حيث يعتمد على مقياس يحدّد مدى تباعد القراءات أو تقاربها عن وسطها الحسابي، فليس معقولا مثلا أن تكون نسبة درجات التقويم المستمر للطلبة في بعض المدارس 90 في المئة في حين أن نسبة درجة الامتحانات في الفصل الثاني 58 في المئة، فهذا يعني أن عملية التقويم المستمر التي تتحكّم فيها إدارة المدرسة غير عادلة، وعلى هذا فإن تطبيق نظام الانحراف المعياري من شأنه رصد أي تجاوزات في هذه العملية، والتعبير عن المستوى الحقيقي للطلاب، من خلال مقارنة نتائج التقويم ودرجات الطالب في نهاية الفصل الدراسي الثاني، بإجراء عملية حسابية لاستخراج المعدل الحقيقي لكل طالب، بحيث تكون ذات منحى طبيعي، وأن يكون هناك نوع من الانسجام والمنطقية بين درجات التقويم المستمر ونتائج الامتحانات النهائية، وهذا بالطبع يعطي كل طالب ما يستحق من درجات بعيداً عن المبالغة، ويمنع أي تجاوزات من جانب بعض إدارات المدارس الخاصة في هذا الصّدد، بحيث لا تغالي في تقويماتها للطلاب من خلال رفع معدّلات الطلبة بشكل يجافي المستوى الحقيقي لهم. قد يكون هذا النظام بالفعل خطوة نحو تقويم نتائج امتحانات الثانوية العامة، لكن هناك جوانب أخرى ينبغي أن تتضمّنها عملية التقويم، من قبيل: هل تقيس الامتحانات مستوى الإبداع والابتكار لدى الطلاب؟ وهل تعبّر بالفعل عن التطوّر في المناهج الدراسية؟ وهل تقيس المهارات التي يفترض أن يكتسبها الطالب في الفصل الدراسي، وبما يجعله مؤهّلا للالتحاق بمرحلة التعليم الجامعي؟ النظام الجديد لتقويم امتحانات الثانوية العامة ونتائجها، رغم مزاياه، فإن هناك ضرورة لاتخاذ خطوات أخرى مكمّلة من جانب الوزارة حتى يمكن تطوير مرحلة الثانوية العامة برمّتها، صحيح أن الوزارة ماضية في استخدام أفضل المعايير المتّبعة في شؤون الامتحانات، وأنها بدأت في وضع امتحانات تخاطب العقول أكثر من تلك التي تعتمد على الحفظ والاستذكار، لكن ينبغي لها أن تعيد النظر في الوقت ذاته في طريقة التدريس ومضمون المناهج، وبما يجعلها تنمّي لدى الطلاب مهارات الإبداع والابتكار والتخيّل، حتى يعتادوا على أي أسئلة غير تقليدية في الامتحانات، وهذا بدوره يتطلّب إيجاد بيئة تعليمية فاعلة تضمن مشاركة الطالب وتفعيل دوره داخل الفصل الدراسي، ومن ثم الارتقاء بمستوى تحصيله العلمي ومهاراته وقدراته الفكرية والإبداعية، حتى يكون مؤهّلا أكاديمياً بالشكل المنشود.