هناك اتهام مباشر من البعض بأن الإعلام في الدول العربية لا يلعب الدور الفعال الذي يفترض أن يقوم به في مواجهة الحملات الإعلامية التي قد تتعرض لها دوله، سواء على خلفية أزمات اقتصادية عابرة أو توترات سياسية طارئة. هناك موقفان اتضح فيهما هذا الأمر بشكل دقيق، تمثل الأول في تعامل الإعلام المصري مع الأزمة المعروفة بـ"خلية حزب الله"؛ وذلك بسبب حالة الانفعال والتشنج إلى حد الانفلات وعدم قدرة بعض الإعلاميين في مصر على السيطرة على أعصابهم، ما أدى إلى انقلاب الموازين إعلامياً، وأصبح التراشق الكلامي المتبادل يسيء إلى مصر أكثر ما يسيء إلى "حزب الله"، رغم قناعة الجميع واعترافهم بأن ما قام به "حزب الله" في مصر كان خطأً قانونياً. كما اتضح هذا الاتهام أيضاً في إعلامنا المحلي الإماراتي من خلال تعامله مع الحملة الإعلامية الغربية بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية وغيرها من الحملات، حيث يفتقد ردنا المعلومة التي تخدم التحليل، ويتم التركيز على الرد بطريقة الهجوم الانفعالي المبني على العاطفة، والتركيز على العواطف وبالتالي يكون الرد عبارة عن محاولة لدرء المزاعم بشكل عاطفي دون إبراز حقيقة المشكلة، وتوعية القراء بها، استناداً إلى الأسانيد والحجج القانونية. وما تمارسه وسائل الإعلام الغربية، الباحثة عن المصداقية، من حملات في بعض الأحيان، إنما يكون بهدف البحث عن المعلومة، لذا فهي تضغط من أجل أن يخرج مسؤول رسمي ليوضح حقيقة المشكلة بالمعلومة والأرقام. وفي مواقف كثيرة قد لا يكون انتهاج مبدأ النفي والإنكار موقفاً صحيحاً يخدم صاحبه الذي قد يكون بحاجة إلى امتصاص الحملة الإعلامية ثم الاستعداد لتوضيح الصورة بالشكل الذي يخدم قضيته، ويعزز موقفه، ويزيل آثار أي لبس لدى الرأي العام جراء النشر في المرة الأولى. من المهم جداً أن يعرف المسؤولون في دولنا العربية نقطتين: الأولى، أن هناك العديد من مصادر المعلومات التي يمكن أن يحصل الصحفي منها على معلوماته، خصوصاً في ظل ثورة الاتصالات والانفجار المعرفي الذي يشهده العالم بحيث تصعب محاصرة المعلومة أو إطفاء ما تحدثه من حرائق في مناطق جغرافية ومعرفية متفرقة. والنقطة الثانية، أنه في حالة غياب المعلومة فإن الأمر يتحول إلى شائعات؛ لأن غياب المعلومة يعني في المقابل انتشار "الشائعة"، وربما يكون هذا هو الحاصل الآن فيما يخص الأزمة المالية العالمية في كثير من دولنا. ركزت ردود وسائل إعلامنا وبعض الكتاب ممن تصدوا للحملة على رفض كل ما حملته وسائل الإعلام الغربية من تداعيات الأزمة المالية ، بل إن بعض ردود المسؤولين، وتحديداً فيما يخص مغادرة الأجانب الدولة تاركين سياراتهم، كانت محل تساؤل من الكثيرين، وبالتالي تحول إعلامنا من إعلام للتوضيح إلى إعلام دفاعي يضع نفسه في خانة ضيقة لا يعرف للحركة أو المناورة سبيلا. لذا تجد أن الحملة الغربية مازالت مستمرة، وهي تتطلب نهجاً أكثر عمقاً في التعامل معها والرد عليها بطرق غير مباشرة وعبر نهج شفاف، يحرجُ من يتداول أي مغالطات أو يسعى إلى ترويج شائعات، أو يعتمد على مصادر غير موثوقة في استنباط معلوماته. طريقتنا في التعامل مع الحملة الغربية تركز على كسب قلوب القراء، لكنها أحياناً بعيدة عن المنطق في التحليل، وهو جانب مهم بالنسبة للقارئ الغربي، باعتبار أن بيئته السياسية والاجتماعية تفرض عليه أن يكون للمنطق دور أساسي، وبالتالي لا يمكننا أن نصف الردود على تلك الحملات بأنها ناجحة، مادمنا قد تجاهلنا الجانب المعلوماتي أو المنطقي في خطابنا مع الغرب. تمثل القصور في ردنا على الحملة الغربية في الدفاع ورفض كل ما يقوله الآخر عنا، معتقدين أننا نستطيع كسب العقول عن طريق مخاطبة القلوب، وهي طريقة عربية بحتة، وكأنه لم يخطر على بال من يردون على الحملات الإعلامية أن التصريحات الخالية من المعلومة قد تكون موضع رفض لاعتبارات متعلقة بالعقلية الأجنبية، والتي لا يفهمها بعضنا. أظهرت ردودنا أن بعض الحملات تحتاج إلى مهنيين محترفين وخبرات إعلامية تجيد فنون الإعلام الجديد، وتستطيع الاشتباك مع تفاعلاته وإفرازاته، سواء عبر وسائل الاتصال التقليدية أو التكنولوجية. إعلامنا العربي، في هجومه المضاد على الحملات الغربية، يركز على محاولة كسب الرأي العام الغربي دون التركيز على المعلومة الدقيقة والصحيحة التي عادة ما يبحث عنها القارئ والصحفي الغربي. فالصحفي الغربي عندما لا يجد المعلومة يحاول خلق مشكلة وجدال، لذا يفترض في جدالنا أن نقوم بتصويب النقاش نظرياً ومعلوماتياً، وبالتالي توجيه الحملة وجهة علمية موضوعية، لا أن نقوم بمجرد هجوم مضاد لتلك الحملات فقط؛ فذلك لا يخدم القضية.