الجريمة الإسرائيلية الشارونية الأميركية الجديدة باغتيال قائد حماس في قطاع غزة ستزيد من تعقيد ما هو معقد أصلا في المنطقة. وهي تدل على عمى سياسي مطبق إسرائيلي أميركي مشترك يعتقد أنه عبر التخلص من القيادات العلنية يتمكن من إلغاء عدالة القضية وتركيع شعبها. حماس خسرت خسارات كبيرة في السنة الأخيرة على مستوى القيادات العليا في الحركة، لكن إن كانت إسرائيل تأمل إضعاف حماس من خلال هذه التصفيات فقد فعلت العكس. فتأييد حماس في الشارعين العربي والإسلامي تضاعف، ومنطق حماس في المقاومة على الضد من منطق التسوية هو الذي يكسب على الأرض، سواء اتفقنا مع ذلك أم لم نتفق. فالإجرام الصهيوني المتواصل، ليس فقط على مستوى الاغتيالات السياسية، بل وأهم منه على مستوى اغتيال الكرامة والحياة العادية للفلسطينيين وتحويلها إلى شبه مستحيلة، تنتج يوميا أجيالا ناقمة ومعبأة بالغضب الذي لا يمكن معه أن تنجح أية تسوية، أو يتحقق أي أمن تريده إسرائيل. باختصار، إن ما تفعله إسرائيل هو إضعاف حماس - التنظيم لكنها في ذات الوقت تقوم بتقوية حماس - الشعب، أي "حمسنة" الشعب الفلسطيني.
لكن بعيدا عن تداعيات الجريمة وأبعادها وأهدافها، هناك الكثير من الأمور يُحتاج إلى التوقف عندها فلسطينيا وحماسيا – أي على الصعيد الداخلي. أول هذه الأمور مسألة تتابع النجاحات الإسرائيلية وتمكنها من تنفيذ الاغتيالات بشكل دقيق، من اغتيال إسماعيل أبو شنب إلى الشيخ ياسين والآن عبدالعزيز الرنتيسي. إضافة إلى عدد آخر من محاولات الاغتيالات التي كانت قريبة من النجاح أيضا. هناك خلل كبير في "أمن حماس" يحتاج إلى مراجعة وصرامة في التعامل مع الأمور. صحيح أن دور العملاء في أوساط الشعب الفلسطيني كبير وأن أساليب الإسقاط الإسرائيلية لهؤلاء العملاء بشكل يضمن تواصل تعاملهم مع إسرائيل لأسباب مادية أو غيرها. لكن هذا ليس جديدا، بل هو قديم قدم الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. بل إن الشيخ ياسين قال ذات تصريح، إبان الانتفاضة الأولى، إن "تنظيم العملاء" هو أقوى التنظيمات في قطاع غزة، ردا على سؤال صحفي عن أحجام وقوة التنظيمات الفلسطينية في القطاع. خلال الانتفاضة الأولى ضعفت قوة العملاء بعد عمليات التصفية التي قامت بها تنظيمات الانتفاضة، ومن بينها حماس. لكن في سنوات لاحقة، ومع قدوم السلطة الفلسطينية التي حصرت مطاردة العملاء في إطار قضائي قانوني، وتلازما مع تقدم "تكنولوجيا العمالة" من اتصالات ووسائل إخبار، عاد "تنظيم العملاء" واسترد قوته. وفعلا أثبت نجاحاً كبيرا بدليل دقة الإخبار عن تحركات قادة حماس والجهاد الإسلامي، وسرعة ذلك الإخبار، بشكل قاد إلى جرائم التصفيات المذكورة. مسألة العملاء تحتاج الآن إلى وقفة صارمة من قبل حماس والسلطة. العملاء وجدوا في كل حركات التحرر العالمية، ووجودهم ليس أمرا غريبا. بل الغريب هو عدم مجابهة هذه المشكلة بالشكل المطلوب. المقاومة الفرنسية للاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية قامت بتصفية عشرات الألوف من العملاء الذين خدموا الاحتلال الألماني وكانوا عونا له ضد المقاومة.
الأمر الثاني ذو الصلة هو تراخي واتكالية رموز حماس في التحوط الأمني. ويستطيع المرء استنتاج ذلك من خلال ما يُشاهد على الإعلام من كثافة تحركهم، وتنقلاتهم، وسهولة الاتصال بهم، وكذلك تصريحاتهم المتكررة بأن "الله هو الحافظ" وتمنيهم للشهادة السريعة. ماذا يفيد القضية الفلسطينية لو استشهد كل قادة حماس خلال سنة واحدة؟ هذا ما تتمناه إسرائيل، أي التخلص منهم دفعة واحدة. حماس حركة تحرر وطني سياسية، وتحقيق أهدافها، وليس استشهاد قياداتها، هو ما يجب أن تحرص عليه. غياب قيادات الصف الأول والثاني في ظرف زمني قصير لا يحقق لها أهدافها، ولا أهداف الشعب الفلسطيني. فهذا الشعب يحتاج إلى قيادات حية تكافح احتلالا عنصريا وحشيا مدعوماً من قبل أكبر قوة غرور عالمية، ولن تفيده قيادات تفرط بحياتها بسهولة تمنياً للاستشهاد. ودع عنك الحديث العاطفي الذي يقول إن استشهاد القادة ودمهم يروي أرض المقاومة ويقويها. لننظر ماذا حدث للحركة الوطنية الفتحاوية بعد اغتيال أبو جهاد وأبو إياد وشريحة واسعة من قيادات الصف الأول. مضاعفة الحرص الأمني وحماية القادة هو واجب وطني قبل أن يكون واجباً تنظيمياً، ولذلك على حماس أن تعيد ترتيب أوراق قادتها على هذه الجبهة اليوم قبل الغد.
الأمر الثالث، دور الإعلام. وهنا نجد عدة ملاحظات مستفزة وتستحق التوقف. أولها هو كثافة الظهور الإعلامي لقيادات حماس في الداخل في الفترة الأخيرة، بما كان يسهل مراقبة حركة وتنقل أولئك القادة. ففي الشهرين الماضيين يمكن رصد عشرات المقابلات التلفزيونية والصحفية التي أجراها الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي. ولا يحتاج المرء إلى كثير ذكاء لاستنتاج هشاشة الترتيبات الأمنية المرافقة لمثل هذه المقابلات. فالتنسيق لإجرائها يتم هاتفيا، ويتم عبر صحفيين ومراسلين همهم إجراء سبق صحفي ويمكن مراقبة تحركاتهم بسهو