البنغاليون الذين لا نعرفهم
إذا كان من الظلم تعميم إحدى الصفات السيئة بحق شعب من الشعوب أو أمة من الأمم بأكملها، استنادا إلى حادثة ارتكبها أو تسبب فيها فرد ينتمي إلى تلك الشعوب والأمم، فمن الخطأ أيضاً في هذا العصر المتميز بالإعلام الجماهيري العابر للحدود هي الدعوة إلى أخذ الجماعة بجريرة الفرد وبالتالي الدعوة إلى مقاطعتها، وإيقاف جلبها للعمل. هذا تحديداً ما حصل في أكثر من دولة خليجية في الأشهر الأخيرة حينما تبارت بعض الأقلام الصحفية مع حناجر نواب المجالس التشريعية وأئمة المساجد في ضرورة التخلص السريع ممن وصفوهم بالمجرمين والقتلة. والمقصود بطبيعة الحال العمالة البنغالية التي رفع هؤلاء أنفسهم قبلا لواء المطالبة بتفضيلهم على الجنسيات الأخرى العاملة في المنطقة لاعتبارات دينية بحتة.
وقد حدث هذا رغم علمهم وعلم القاصي والداني انه ليس بمقدور أهل الخليج - على الأقل في المدى المنظور - الاستغناء التام عن العمالة البنغالية باعتبارها الأقل أجراً بالمقارنة مع العمالتين الهندية والفلبينية والأكثر قدرة على العمل الشاق. فالبنغالي هو الذي يقوم بتنظيف الشوارع وحفر الشوارع تحت شمس الخليج الحارقة، وهو الذي قد تسند إليه مهام أخرى كحراسة المنزل والطبخ وسقي الحديقة وغسل السيارة وتوصيل الأولاد إلى مدارسهم كل صباح وإرجاعهم إلى بيوتهم كل ظهيرة.
ولم يكتف بعض ( واشدد على كلمة بعض) أرباب الأعمال في المنطقة– سواء أكانوا مؤسسات ضخمة أو مؤسسات فردية متواضعة- بهضم حقوق هذه العمالة المسكينة في صورة تأخير رواتب أفرادها أو تقليص ساعات راحتهم، أو حشرهم بالمئات في غرف لا تصلح للسكن وإنما ساندوا- في ما يمكن وصفه بالحملة المنظمة- الأقلام التي برزت في بعض الصحف المحلية مطالبة دول الخليج بإيقاع عقوبة جماعية على الجالية البنغالية.
وفي لقاء لي قبل أقل من عام مع سفير بنجلاديش السابق في البحرين "محمد روح الأمين" الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى بعيد انتقاله للعمل في سفارة بلاده في باريس، حدثني ذلك الدبلوماسي المثقف ثقافة فرنسية عالية، عن المشاكل التي يواجهها في الخليج، ولا سيما لجهة تبديد النظرة الدونية للخليجيين تجاه الإنسان البنغالي. إذ ذكر أنه لم يصادف أحدا في الخليج قرأ أو سمع عن البنغاليين الذين ساهموا مساهمة فعالة في تقدم البشرية والإنسانية، فصارت أسماؤهم محفورة في وجدان العالم وتذكر كلما ذكرت مخترعاتها أو ما قدموه من حلول.
حديث السفير هذا معطوفاً على الفضول دفعاني دفعاً نحو سبر أغوار الكتب والمراجع والمواقع الإلكترونية بحثاً عن إسهامات البنغال الحضارية التي لا نعرف عنها شيئا، فوجدت أسماء كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، وفي المجالات العلمية فقط دون مجالات العلوم الإنسانية:
عبدالستار خان: عالم كيميائي يعود إليه الفضل في اختراع المعدن الذي يستخدم في صناعة الطائرات التجارية النفاثة والطائرات الحربية المقاتلة والسفن الفضائية ومحركات القطارات و توربينات الغاز.
أبو الحسن: عالم كيميائي حاصل على جائزة "غرانير" الذهبية للتحدي لعام 2007 ، ويعود إليه الفضل في اكتشاف طريقة لتنقية المياه من مادة الارسنيك السامة.
عمار بوز : مخترع سماعات الصوت المعروفة باسم" بوز "، وهو أيضاً مؤسس الشركة التي تحمل الاسم نفسه وتعتبر اليوم الأشهر في العالم على الإطلاق. وهو نتاج ارتباط سيدة أميركية بيضاء بمهاجر بنغالي أسمر كان قد قدم إلى الولايات المتحدة من الهند في الأربعينيات. أقام عمار مع والديه– قبل أن يكون شركته وثروته التي تجاوزت في عام 2007 ما يقارب 1.8 بليون دولار بحسب مجلة" فوربس – في فيلادلفيا وبنسلفانيا، ثم درس بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ليحصل منها في مطلع الخمسينيات على الإجازة الجامعية في الهندسة الكهربائية.
ساتياندرا ناث بوز: عالم فيزيائي أسس طريقة بوز في الإحصاء، وهي الطريقة التي اعتمد عليها اينشتاين في نظريته النسبية، ورغم هذا الإنجاز فانه حرم من نيل جائزة نوبل في الفيزياء، لكن طلبته الذين طوروا نظريته لاحقاً فازوا بالجائزة المذكورة في عام 2001 . ويمكن القول إن ما أنجزه هذا الرجل، هو ضمن أكبر عشرة إنجازات شهدتها شبه القارة الهندية في القرن العشرين.
براسانتا تشاندرا مهالانوبيس : عالم رياضيات وإحصاء، يعود إليه الفضل في وضع العديد من النظريات الإحصائية والحسابية التي أحدثت انقلاباً في هذين الحقلين، واعتمدت عليها الأجيال التالية كثيراً في اكتشافاتها العلمية. كما يعود إليه الفضل في تأسيس كليات ومعاهد مستقلة للإحصاء ضمن الجامعات الهندية والبنغالية، والاشتغال مبكراً على مواضيع إحصائية تتعلق بأعداد النباتات والحيوانات ومستهلكي السلع المختلفة وشاربي الشاي ومرتادي دور السينما في الهند وبنغلاديش. وترجع أصول الرجل إلى عائلة من بلدة كرامبور الواقعة اليوم ضمن أراضي بنغلاديش، لكن والده كان قد هاجر مع أسرته إلى كلكتا الهندية في عام 1845 ليفتتح محلا للأعشاب الطبية. وهناك انخرط والده في النشاطات السياسية والاجتماعية التي قادته إلى الالتقاء بشاعر الهند والبنغال الأكبر طاغور. أما الابن "براسانتا"، فقد انتهج طريق أخيه الأكبر فيما يتعلق بالتحصيل العلمي مع بعض الاختلاف. فبينما درس أخيه علم النفس بجامعة كامبردج قبل أن يصبح بروفسور وعميداً لدائرة الفسيولوجيا في جامعة الرئاسة في كلكتا، درس "براسانتا" أولاً في كلية الرئاسة، ونال منها بكالوريوس الفيزياء مع مرتبة الشرف في عام 1912، واتبع ذلك بالذهاب إلى بريطانيا للالتحاق بجامعة كامبردج والتخصص في الرياضيات.
جاغديش تشاندرا بوز: عالم فيزياء وأحياء ونبات وجيولوجيا، وكاتب قصص علمية، ويعود إليه الفضل في تطوير العديد من الأمور المتعلقة بالراديو والإرسال اللاسلكي، بل إنه أحد الذين وضعوا اللبنات الأولى لاختراع الراديو قبل ماركوني. إلى ذلك ساهم الرجل مساهمة فعالة في علم النباتات والأحراش. وتذكر السجلات التاريخية أن الرجل كان أحد أوائل أبناء شبه القارة الهندية الذين سجلوا براءة اكتشافاتهم في الولايات المتحدة الأميركية ، وذلك في عام 1904.
يوبندراناث براهماتشاي: عالم أحياء نجح في اكتشاف علاج لداء "الليشمانيات الطفيلي"، ورشح لجائزة نوبل في الطب. ولأن هذا النجاح جاء في وقت كانت فيه الملايين في شمال الهند، ولا سيما في ولاية آسام، قد هجرت ديارها هرباً من أمراض الكوليرا والملاريا والأنيميا، فإنه خفف الكثير من الأعباء عن كاهل الدولة وأشاع الطمأنينة في نفوس المهجرين للعودة إلى ديارهم وبيوتهم.
فضل خان: أحد أبرز المهندسين المعماريين في العالم، وصاحب ألقاب كثيرة منها: أينشتاين الهندسة المعمارية، وأعظم مهندس معماري في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو الذي صمم عمارة "سيزر" في شيكاغو بولاية ألينوي الأميركية في عام 1974، والتي كانت الأطول في العالم إلى حين ظهور أبراج "بتروناس" في ماليزيا. ومن أعماله الشهيرة الأخرى: تصميم مبنى وبرج مصرف هونج كونج في الصين، ومركز جون هونكوك التجاري في شيكاغو، وبرج حديقة ايزوي في طوكيو، وبرجي بتروناس في ماليزيا، والعمارة الأعلى طولا في العالم - حتى هذه الساعة - وتوجد في تايبيه عاصمة تايوان ويبلغ عدد أدوارها 101 دور.