تجربة جديدة تبدؤها اليوم الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، بإطلاق أول بثّ مباشر موحّد لخطبة الجمعة عبر جميع المحطات والإذاعات الرسمية المحلية، حيث تبث خطبة الجمعة اليوم من جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، والأسبوع المقبل من أحد مساجد دبي، ومن ثمّ الشارقة، ليستمر البث متنقلاً من إمارة إلى أخرى، بوتيرة أسبوعية، ووفقاً لبرنامج زمني يحدَّد مسبقاً، كما أعلنت الهيئة نفسها. البث المباشر الموحد لخطبة الجمعة، هو أحد مظاهر وبراهين تنامي قوة الاتحاد، ويأتي متزامناً مع الاحتفالات بالذكرى السابعة والثلاثين لقيام دولة الاتحاد، وتكريماً لمؤسس الدولة النموذج، المغفور له -بإذن الله تعالى-، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه. توحيد بث خطبة الجمعة يعكس صورة حضارية لدولة الاتحاد، ويدعم توجهاتها الداعية إلى الاعتدال والوسطية والتسامح، وانفتاح الخطاب الديني، ونبذ التطرف والمتطرفين. توحيد البث المباشر لخطبة الجمعة يأتي بعد نجاح تجربة الأذان الموحَّد، التي قوبلت باستحسان مجتمعي واضح، وبات صوت الأذان الموحَّد في مساجد الدولة سمة حضارية مميّزة، ونجحت الفكرة في التصدي لمن عارضها بعد أن تلمَّس الجميع إيجابياتها العديدة، من القضاء على تضارب توقيت الأذان في مدينة واحدة، وتداخل الأصوات بطريقة لا تتناسب مع مكانة الأذان. وحسناً فعلت هيئة الأوقاف، حين أعلنت باكراً إطلاق البث المباشر الموحَّد لخطبة الجمعة، وأوضحت للجمهور أهداف هذه الخطوة وفلسفتها، حتى لا تترك مجالاً خصباً لانتشار الشائعات والتأويلات والتحليلات والتكهّنات، إذ "يتبرع" الكثيرون في مثل هذه الأمور بالإدلاء بدلوهم، فيربطون الأمر بالسياسة تارة، ويذهبون إلى طرح رؤى من وحي خيالهم تارة أخرى، ولذا تتضح إيجابيات التهيئة الإعلامية لخطوة كهذه، خصوصاً، ونحن ندرك حساسية الأمور الدينية، وكذلك حساسية المناخ السياسي الإقليمي والدولي الراهن، وما يزخر به من قضايا ذات احتكاك مباشر بالدين الإسلامي، وحتى لا يواجه بث خطبة الجمعة الموحدة بأي شكوك، وكي تحقق الأهداف الدينية والتوعوية المرجوة من ورائها أيضاً. خطبة الجمعة الموحدة خطوة إيجابية، والمأمول أن تسعى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، خلال الفترة المقبلة، إلى تعزيز جهود صقل "الخبرات الاتصالية" لأئمة المساجد، وتنمية مهاراتهم في الإلقاء والتواصل مع الجمهور، لتعظيم الاستفادة من خطبة الجمعة الموحدة، التي تحتاج إلى تكثيف خطط تدريب الأئمة على الإلقاء الذي يضمن للخطيب أقصى معدلات التركيز والاستماع من جانب الحاضرين، كي تحقق الخطبة في النهاية المردود الديني والسلوكي والروحي المنتظر من ورائها، خصوصاً أن بعض الخطباء يفتقرون في أحيان كثيرة إلى "التفاعل" مع موضوع الخطبة، بحيث تنطلق "الرسالة" الدينية من بيئة اتصالية تسهم في استقبال المتلقين لها بإيجابية تهيِّئهم لفهم مضمونها والعمل به. قضايا عدة تفرض نفسها على أجندة خطبة الجمعة الموحدة، وقد تصدت العديد من خطب الجمعة لبعض هذه القضايا المجتمعية خلال الأسابيع الماضية، ولكن لم تزل هناك قضايا تنتظر مزيداً من التركيز عليها، مثل التصدي للأفكار الشائعة بشأن أعمال الدجل والسحر والشعوذة، ومواجهة السلوكيات المنحرفة والعادات السيئة، وغير ذلك من أولويات مجتمعية ملحَّة، مثل تأكيد قيم الولاء والانتماء للوطن، وتدعيم دور الأسرة في المجتمع، وتأكيد أهمية الرقابة الأسرية، ودور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في حماية الشباب والمراهقين من الانحراف والتطرف، والتصدي للكثير من الفضائيات التي تمثل خطراً لجهة تسطيح عقول الشباب، وتمييع ثقافتهم‏‏، وتهديد هُويتهم الدينية والوطنية‏.‏ بث خطبة الجمعة الموحدة يمثل خطوة مهمة تسهم في إبراز الوجه الحضاري لدولة الإمارات، وتؤكد ثقتها بنفسها، ومقدرتها على تطوير البنيان الاتحادي بشكل مستمر. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية