الأزمة المالية: نهج المواجهة التدريجية
نمر حالياً بأزمة مالية لم يسبق أن واجهنا مثيلا لها في حياتنا، سواء من ناحية شدتها أو عدم إمكانية التنبؤ بمسارها. لقد شهدنا انهيارات، أو شبه انهيارات لمؤسسات مثل"بيرز ستيرنز"، و"إندي ماك"،"ليمان براذر"، و"واشنطن ميوتشوال"، و"واتشوفيا"، و"فاني ماي" و"فريدي ماك"، و"أميركان انترناشيونال جروب"... وتلك الانهيارات، ترتبت عليها -نظراً لما كانت عليه من جسامة- تداعيات هائلة، وهو ما استلزم منا مواجهتها واحدة تلو الأخرى بعد أن تعطل نظامنا المالي، وتعرض اقتصادنا لأضرار فادحة.
بحلول سبتمبر الماضي، كانت الولايات المتحدة الأميركية تواجه أزمة في مختلف جوانب النظام. وبعد شهور حاولنا فيها الاستفادة بأقصى قدر من السلطة المخولة لنا، لم يكن أمامنا سوى مطالبة الكونجرس، بالتدخل من أجل تقديم صفقة إنقاذ شاملة، تمكننا من تحقيق الاستقرار في نظامنا المالي ومن تقليص أي ضرر إضافي يلحق باقتصادنا.
وعندما قام الكونجرس بتمرير التشريع اللازم في الثالث من أكتوبر الماضي، كانت أزمة الأسواق المالية قد بلغت حداً من الاتساع والشدة استلزم منا التحرك بسرعة، واتخاذ خطوات قوية لتحقيق الاستقرار لنظامنا المالي، وإعادة القدرة على التدفق لنظامنا الائتماني. كان قصدنا الأول من ذلك هو تعزيز النظام المصرفي من خلال شراء الرهونات السائلة، والأوراق المالية المرتبطة بالرهونات... بيد أن ما حدث كان هو أن حدة وجسامة الموقف، كانت قد وصلت إلى حد أن إجراءات مثل برنامج شراء الأصول لم تعد كافية، سواء من حيث درجة فاعليتها أو سرعتها. لذلك، واعتماداً على السلطة الممنوحة لنا من قبل الكونجرس في هذا التشريع، عمدنا إلى تطبيق برنامج سريع لضخ رأسمال قدره 250 مليار دولار في شرايين النظام على أن نقوم بعد ذلك بتنفيذ برنامج آخر لشراء الأصول المتعثرة.
ونظراً لأنه لا يوجد لدينا دليل يبين الكيفية التي يجب أن نتصرف بها حيال هذا الاضطراب غير المسبوق، فإنه لم يكن أمامنا سوى العمل على تعديل استراتيجيتنا، بحيث تعكس حقائق الأزمة المالية الشديدة، مع الاستمرار في التركيز على هدفنا المتمثل في تحقيق الاستقرار لنظامنا المالي، والذي يؤثر على حياة كل فرد من أفراد الشعب الأميركي. بحلول منتصف أكتوبر، كانت الإجراءات التي اتخذناها مقرونة بالضمان الذي قدمته "المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع "لأنواع معينة من الديون المصدرة من قبل المؤسسات المالية، قد ساعدتنا على تحقيق أولويتنا الرئيسية وهي تحقيق الاستقرار الفوري لنظامنا المالي.
وفي الوقت الذي كنا نقوم فيه، بتقييم الكيفية التي يمكننا بها استخدام الأموال المتبقية لدينا في برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، كان يتعين علينا أيضاً النظر في جوانب عدم اليقين المحيطة بالموقف الاقتصادي في الولايات المتحدة وخارجها. والتقارير الاقتصادية الأخيرة تبرز التحديات التي نواجهها، والتي تتمثل في هبوط الناتج القومي الإجمالي في الربع الثالث من العام بنسبة 0.3%، وارتفاع نسبة البطالة في شهر أكتوبر الماضي إلى مستوى غير معهود منذ منتصف التسعينيات، كما أن أسعار المنازل في 10 مدن رئيسية قد هبطت بنسبة 18% مقارنة بالعام السابق، كذلك هبطت مبيعات السيارات في أكتوبر بمقدار الثلث مقارنة بما كانت عليه منذ عام... أما الاقتصادات الأوروبية فكان إيقاع التباطؤ فيها أسرع مقارنة بالاقتصاد الأميركي.
كنت دائما أقول إن ما حدث في السوق العقاري هو السبب الجذري للانكماش الاقتصادي والأزمة التي يعاني منها سوقنا المالي، وأن الاقتصاد إذا ما استمر في التباطؤ أكثر من ذلك، فقد يؤدي إلى إطالة أمد الانكماش والإجهاد اللذين تعاني منهما مؤسساتنا وأسواقنا المالية.
وإذا ما كنا قد تعلمنا شيئاً خلال العام الماضي، فهو أن الأزمة كانت من النوع الذي لا يمكن التنبؤ به، وأن آثارها من النوع الذي يصعب مواجهته. لذلك، قررنا أنه قد يكون من الحكمة أن نحافظ على الأموال المخصصة لبرنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، كي نحافظ على مرونتنا وعلى مرونة الإدارة الجديدة كذلك.
وبرنامج الشراء الرأسمالي الحالي الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار، يمثل جرعة دواء قوية لمؤسساتنا المالية... وليس هناك شك في أن تخصيص مزيد من الأموال لهذا البرنامج سيزيد من قدرة مصارفنا على تحمل الخسائر عند قيامها بشطب الأصول المتعثرة أو بيعها. فزيادة الاحتياطات الرأسمالية يعد أمراً ضرورياً لزيادة القدرة على الإقراض، والذي يعد بدوره أمراً حيوياً لإعادة العافية للنظام الاقتصادي برمته.
في الآونة الأخيرة كان يوجه لي دائماً سؤالان؛ أولهما: لقد منحك الكونجرس السلطة التي طلبتها ومع ذلك فإن الاقتصاد تدهور عوضاً التحسن... فأين يكمن الخطأ؟ الثاني: إذا ما كانت المنازل والرهونات هي أصل المتاعب الاقتصادية التي نعاني منها حالياً فلماذا لا تعالج هذه المشكلات؟
إجابتي عن السؤال الأول أن الهدف من التشريع الذي مرره الكونجرس كان يهدف إلى تحقيق استقرار النظام الاقتصادي على وضعه الحالي، أي الحيلولة بينه وبين مزيد من التدهور وليس تقويته. فذلك التشريع لا يمثل ترياقاً شافياً من جميع عللنا الاقتصادية، لكن الأمر المؤكد هو أن الكونجرس لو لم يمنحنا إياه لكان وضعنا الاقتصادي أسوأ كثيراً عما هو عليه الآن بالفعل. أما إجابتي على السؤال الثاني فهي أن إتاحة مزيد من فرص الحصول على قروض الرهن العقاري المنخفض التكلفة، هو أول شيء يجب علينا القيام به من أجل إبطاء وتيرة التدهور في سوق العقارات، وتقليص عدد حالات، الحجز على المنازل المرهونة.
ما أود قوله في الخاتمة، هو أنني فخور حقاً بالإجراءات الحاسمة التي اتخذتها وزارة الخزانة الأميركية من أجل استقرار نظامنا المالي، حيث فعلنا كل ما كان يتوجب علينا فعله، على ضوء الظروف القائمة والحقائق السائدة، كما قمنا بتعديل استراتيجيتنا بالطريقة التي تجعلها قادرة بأفضل صورة ممكنة على مواجهة الأزمة، كما حققنا المرونة اللازمة لنا وادخرناها لرئيسنا المنتخب باراك أوباما ووزير الخزانة الجديد لتمكينهما من مواصلة مواجهة تحديات الاقتصاد وأسواق المالية التي سوف يجدانها أمامهما. وأنا في جميع الأحوال واثق، من أنهما سيتمكنان من مواجهة تلك التحديات، وتحقيق النجاح، لأن اقتصادنا مرن وقادر على التكيف، ومتجذر في روح المبادرة العملية، والقدرة الإنتاجية العالية للشعب الأميركي.
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"