كان حديثنا عن الزواج في مجتمع الإمارات الأسبوع الماضي بين الـ19 % من مجموع السكان والتمايزات الاجتماعية التي قللت وحددت من فرص زواج الفتاة الإماراتية.
ومن حيث انتهينا نبدأ من جديد. ففي مجتمع مختلط حتى النخاع تصل فيه نسبة الأجانب إلى 81% من مجموع السكان كان الزواج المختلط حتمياً. لكن وقبل المضي في تحليل هذه الظاهرة لنعد للبداية. فأول القصة كانت لكبار السن والهجرة الجماعية للزواج من الهند ومن بعض الدول العربية في نهاية السبعينيات فكانت النتيجة إنجاب المزيد والمزيد من الأيتام مع وقف التنفيذ والأرامل الأجنبيات. وبعد موجة الهنديات كان الزواج من فلبينيات ثم العودة لبعض الجنسيات العربية والتي شهدت إقبالا غير مسبوق، حتى أصبحت هذه الوجهة شبهة وقلقا دائما للزوجة الأولى. وفي أغلب هذه الحالات نحن نتحدث عن زوجة أجنبية ثانية أو ثالثة، لا زوجة أولى إلا بحالات معدودة يمكن حصرها بالمبتعثين للخارج الذين رجعوا بشهادة وزوجة أجنبية.
إلا أن موجة الزواج من أجنبيات كزوجة أولى لم تبدأ إلا في عقد التسعينيات، حيث شهد العالم تطورات غير مسبوقة فتهاوى الاتحاد السوفييتي وانفرط عقد شعوبه. وعلى أرض الإمارات اختلط الحابل بالنابل فشهد المجتمع موجة الزواج من جنسيات جديدة. وبعد موجة الملامح الآسيوية اختلطت الأعراق والأديان بشكل عجيب. ومع القرن الجديد كانت الزوجة الأجنبية زوجة أولى وثانية وثالثة، إلا أنه لم يتم التحدث عنها كظاهرة تهدد مجتمع الإمارات إلا في الآونة الأخيرة، إذ كما يبدو أصبحت المنافسة شديدة والخيارات أوسع مما قلل من فرص زواج الفتيات بالإمارات المحدودة أصلاً في مجتمع قبلي، وبدأت تظهر بوادر الغضب في مجتمع الإمارات، وبدأت وسائل الإعلام و صندوق الزواج بطرح فكرة المشروع الذي شهد تأييدا شعبيا كبيرا.
يعني الانفتاح الاقتصادي المزيد والمزيد من الموجات البشرية المتدفقة إلى أرض الإمارات. فالمجتمع شهد ويشهد جرائم لم يعهدها من سلوكيات خارجة عن كل عرف، وأيضا زواجات مختلطة. وكنتيجة حتمية سيتغير وجه المجتمع وملامح سكانه، وهذه هي ضريبة الانفتاح الاقتصادي. إن تفاقم مشكلة التركيبة السكانية هو الأساس والزواج من أجنبيات هو نتيجة بالدرجة الأولى وسبب أيضا لتفاقم المشكلة. لكن نشر الوعي بخطورة المشكلة وخلل التركيبة السكانية لم يصادفا هوى عند المعنيين، وبعد أن انتقل استجلاب الزوجة من الخارج أصبحت الخيارات في الداخل أوسع، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
وعلى الرغم من سعي وسائل الإعلام لطرح المشكلة ومعالجتها إلا أن الشباب كان غارقا في استكشاف الآخر والمختلف، بينما تحرم الفتاة من ممارسة حقوق أبسط كما أسلفنا، لذا قررت الدولة تحويل الإقناع إلى أوامر ملزمة حيث تجري حاليا مناقشة إصدار مشروع قانون ينظم زواج مواطني الإمارات من أجنبيات تمهيدا لرفعه إلى مجلس الوزراء لدراسته وإقراره بعد ذلك.
نعم هناك غضبة نسائية خاصة على الزواج من أجنبيات، لكن الغضب يجب ألا يدفع المشرع لإصدار قانون يتعارض مع الدين الإسلامي والقوانين المعمول بها في الدولة وحقوق الإنسان. إذا قبلنا بهذا القانون فنحن نقبل كل أنواع كبت الحريات والتسلط وعقلية الأخ الأكبر. فهل يجوز تشريع قانون مشابه بحجة أن المصلحة القومية العليا فوق أي اعتبار آخر كما يقول مؤيدوه؟ وهل يمكن التغاضي عما فيه من خروقات واضحة لحق الإنسان بالاختيار ومبدأ الحرية الشخصية التي نحاول توسيعها لا تضييقها.
أسلوب المنع لم يعد نافعاً. هي مشكلة ومشكلة أعظم إن كانت ظاهرة. هناك أساليب عدة لحصار الظواهر الشاذة أو لمنع تفاقمها لاشك أنها لا تخفى على المسؤولين بدون إصدار قانون يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان. القضية ليست زوجة عربية أم أجنبية مسلمة أم غير ذلك. القضية أشمل عندما تمس بنية المجتمع. ونعود للتأكيد على أن أساس المشكلة هو الخلل في التركيبة السكانية، وما قضية الزواج من أجنبيات إلا نتيجة ستعود لتصبح سببا وهكذا.