دروس الحرب في جورجيا
تُقدم روسيا حربها في جورجيا على أنها رد مشروع على توغل جورجيا الأسبوع الماضي في منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية. ولئن كان الكثيرون في الغرب ينددون بالقوة المفرطة للرد الروسي، فإنهم ينتقدون في الوقت نفسه الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشيفيلي لمحاولاته استعادة جنوب أوسيتيا تحت الحكم الجورجي، والولايات المتحدة لتشجيعها المفترض للمجازفة التي أقدم عليها سكاشيفيلي من خلال دعمها لانضمام جورجيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو".
ولكن الحقيقة هي أن روسيا، وليس جورجيا، هي التي عملت خلال الأشهر القليلة الماضية على تأجيج التوتر في أوسيتيا الجنوبية ومنطقة جورجية انفصالية أخرى هي أبخازيا. فبعد قمة "الناتو" التي عُقدت في العاصمة الرومانية بوخاريست في أبريل الماضي- والذي تلقت خلاله جورجيا وأوكرانيا، إشارات إيجابية بشأن إمكانية انضمامها إلى الحلف- وقع الرئيس الروسي وقتها فلاديمير بوتين مرسوماً يعامل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية باعتبارهما جزءاً من الفيدرالية الروسية، وهو ما يشكل انتهاكاً مباشراً لوحدة جورجيا الترابية.
جاء ذلك بعد سنوات من المحاولات الروسية المتزايدة من أجل فرض وتأكيد السيطرة على هاتين المنطقتين عبر وسائل مثل توزيع جوازات السفر الروسية على المواطنين وترتيب تعيين مواطنين روس في حكومتي المنطقتين. وعلاوة على ذلك، أشرف فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسي حالياً، على حشد قوات روسية لـ"حفظ السلام" في أبخازيا، والذي من الواضح أن هدفه كان هو استفزاز جورجيا لتقوم برد عسكري. ولكن جورجيا أظهرت ضبطاً للنفس لأسباب أهمها حقيقة أن سكاشيفيلي كان يدرك أن من شأن مغامرة عسكرية أن تضر بآفاق انضمام بلاده إلى "الناتو". ونتيجة لذلك، عمدت موسكو إلى نقل جهودها إلى أوسيتيا الجنوبية، حيث نفذ المتمردون الموالون لروسيا هجمات على القوات والبلدات الجورجية، مما أثار أخيراً الرد الذي كانت تبحث عنه موسكو كذريعة للتدخل.
روسيا قامت بإرسال أسطول البحر الأسود إلى سواحل جورجيا ووسعت الحرب لتشمل أبخازيا، مما يُظهر أن حرب موسكو ليست حول أوسيتيا الجنوبية فقط. وعلى أي حال، فإن تعاطي موسكو مع الحركة الانفصالية- قتل عشرات الآلاف من الشيشان على مدى العقد الماضي- تشي بالكثير حول ما تدَّعيه من أنها تحاول حماية أقلية من السكان، ليس إلا.
الحقيقة هي أن هذه الحرب دارت حول جعل جورجيا درساً ونموذجاً حول العواقب التي ستعاني منها البلدان السوفييتية السابقة إن هي وقفت في وجه موسكو وقامت بإصلاحات ديمقراطية وسعت إلى نسج علاقات عسكرية واقتصادية مع الغرب. ذلك أنه لا يوجد بلد قوقازي قطع أشواطاً مثل تلك التي قطعتها جورجيا بخصوص العملية الديمقراطية والإصلاح. وإضافة إلى ذلك، فإن جورجيا تتوفر على ثالث أكبر قوات في العراق؛ وقبل هذه الأزمة كانت قد تعهدت بإرسال قوات إلى أفغانستان.
وعليه، فإذا سُمح بسقوط جورجيا، فمما لا شك فيه أن الحكومات في منطقة أوراسيا ستستنتج الخلاصات الضرورية، وخاصة في أذريبجان وكازاخستان وأوكرانيا، التي تربطها علاقات مع الغرب وتسعى إلى اندماج أكبر ضمن المؤسسات الأوروبية، وهو ما يثير حفيظة موسكو.
إذا سمحنا لروسيا باحتلال جورجيا، أو مجرد الإطاحة بحكومة سكاشيفيلي، فإن التداعيات بالنسبة لمكانة الولايات المتحدة في القوقاز ستكون وخيمة؛ حيث سنواجه خطر خسارة دعم دول آسيا الوسطى السوفييتية السابقة التي تتعاون مع المهمة الأميركية في أفغانستان، إلى جانب خسارة الأمل في مزيد من صادرات الطاقة من آسيا الوسطى نحو الغرب.
الكثيرون ممن قد يتفقون مع هذه القراءة لا يأبهون لإيجاد حلول، ولاسيما أنه ليست لدينا خيارات عسكرية حقيقية ضد روسيا؛ غير أننا نستطيع صياغة رد فعل شامل ذي مغزى، وتحميل روسيا كلفة سياساتها.
على الولايات المتحدة أن تضرب حيث الضرب مؤلم: سمعة روسيا الدولية التي تمثل هاجساً يسكن بوتين. فأولاً، ينبغي أن نفعل كل ما هو ممكن من أجل تعليق عضوية روسيا في مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى (وهو شيء كان المرشح الرئاسي الجمهوري جون ماكين قد دعا إليه حتى قبل اندلاع هذه الأزمة). وحالما ينتهي الاقتتال، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكثف جهودها حتى تنال جورجيا وأوكرانيا عضوية "الناتو". أما في حال رفضت البلدان الأوروبية الفكرة، فتستطيع الولايات المتحدة في هذه الحالة منحهما صفة "حليفين رئيسيين من خارج الناتو"، على غرار إسرائيل وباكستان. وهو ما سيعني إرسال مزيد من المدربين العسكريين الأميركيين في جورجيا، واقتسام المعلومات الاستخباراتية، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة، وخطوات أخرى، حتى لا نقول تعهداً كاملاً من قبل واشنطن بالدفاع عن البلد في حال تعرضه لهجوم.
وأخيراً، وفي خطوة رمزية، يتعين على الولايات المتحدة أن تنتبه إلى أن روسيا بدأت هذه الحرب خلال اليوم الذي افتتحت فيه الألعاب الأولمبية، في وقت تعتزم فيه تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة لا تبعد عن ضحية اعتدائها سوى أميال. وبالتالي، فيجدر بالولايات المتحدة أن تفكر بجدية في إعلان مقاطعتها لألعاب سوشي 2014، لأن حلفاءنا الجورجيين لا يستحقون أقل من ذلك.
سفانتي كورنيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير البحوث في "معهد آسيا الوسطى- القوقاز" التابع لجامعة جونز هوبكنز.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"