جدل تقويم العام الدراسي
لم يكن هناك أي دافع أو أي داعٍ للجدل أو الشائعات التي أثيرت، في الآونة الأخيرة، حول تأجيل بداية العام الدراسي 2008/2009 إلى ما بعد عيد الفطر المبارك. ورغم أن وزارة التربية والتعليم قد أصدرت توضيحات قاطعة بأنه لا تغيير ولا تأجيل في بداية العام الدراسي، فإنها قد أقرّت فعلاً بأنها درست إمكانية تأجيل العام الدراسي أسوة بالقرار الذي اتخذته دول مجاورة بسبب تزامن انطلاقة العام الدراسي مع بداية شهر رمضان المبارك.
عوامل عدة تضافرت لتغذي الشائعات حول هذا الموضوع، منها الجدل الواسع حول الموضوع ذاته في بعض الدول العربية، ومنها بالطبع مناقشة الموضوع من جانب الوزارة ذاتها، لكن في النهاية ينبغي القول بأن قرار الوزارة التصميم على الالتزام بالتقويم الدراسي المعتمد هو عين الصواب، لاعتبارات عدة يأتي في مقدمتها أن تأجيل الدراسة يعني في المقابل إرباكاً تاماً للعام الدراسي المقبل، وحكماً مسبقاً على هذا العام بالتشتت وسوء توزيع المنهج الدراسي على مدار العام وحسب التقويمات المعتمدة، على الأقل بالنسبة إلى صفوف دراسية مهمة مثل الصف الثاني عشر، حيث اشتكى الطلاب فيها خلال سنوات سابقة من قصر الفصل الدراسي الأول، مقارنة بحجم المناهج في هذا الفصل. الأمر الثاني أن العوامل الضاغطة باتجاه التأجيل في بعض الدول ليست على هذه الحال في دولة الإمارات، سواء لجهة ابتداء الدراسة في هذه الدول خلال منتصف رمضان، ما يعني قصر الفترة بين بداية الدراسة وإجازة عيد الفطر، أو لجهة الأعباء الاقتصادية الناجمة عن تزامن الموعدين، علاوة على أن ما يفصل بين بداية العام الدراسي وإجازة عيد الفطر شهر كامل، وليس مجرد أيام معدودات.
يدرك الجميع أن ترتيبات العام الدراسي تتطلب بعض الوقت، وتستهلك الأسبوع الأول من الدراسة على الأقل، وبالتالي فإن التأجيل كان يعني الوقوع في فخ المقارنة بين بدائل تتساوى في تأثيراتها السلبية، مثل اختزال مدة العام الدراسي، وضياع مكسب تخطيطي تحقق بالفعل متمثلاً في إطالة زمن العام الدراسي، ومعالجة ثغرة تعليمية كانت قائمة في سنوات سابقة، أو تأخير نهاية العام الدراسي بمدة التأجيل نفسها، أي شهراً ونصف الشهر تقريباً، ما يعني بدوره الافتئات على معظم عطلة نهاية آخر العام المقبل، والاضطرار إلى مواصلة الدراسة في شهري يونيو ويوليو المقبلين، أو إلغاء عطلة منتصف العام، أو إلغاء يوم السبت من عطلة نهاية الأسبوع، والاكتفاء بيوم الجمعة فقط، وهو خيار لم يكن سيحظى برضا مجتمعي من أي نوع.
العامل الأهم من الحسابات الرقمية السابقة يتعلق بمسألة قيمية وتربوية ينبغي ألا تغرس لدى التلاميذ والتلميذات، وهي الكسل والتراخي خلال شهر رمضان الكريم، فبدلاً من أن نغرس قيمة العمل والإنتاج لدى النشء في دولة تخوض غمار التنافسية الشرسة عالمياً، يسعى بعض الناس إلى تكريس فكرة النوم والسهر والتكاسل واختزال فترة تزيد على شهر من العام الدراسي!
اللافت أيضاً أن تثار دعوات وتنتشر شائعات كهذه، في وقت تكثف فيه الدولة جهودها لتطوير التعليم كي يواكب نظيره في الدول المتقدمة، ومن أهم ركائز هذا التطوير إطالة مدة العام الدراسي كي تقترب ولو قليلاً من نظيرتها في دول مثل سنغافورة واليابان، حيث تبلغ مدة الدراسة الفعلية نحو 280 يوماً سنوياً، في حين تكاد تلامس على استحياء سقف الـ180 يومياً في دولة الإمارات، وكأنه لا تكفي العطلات في المناسبات الدينية والوطنية، والإجازات التي يمنحها الكثيرون لأنفسهم، وفقاً لمبدأ "دوام اليوم أو اليومين بين إجازتين إجازة"، والعطلات بسبب الظروف الطارئة، مناخية كانت أو مرضية... وهكذا.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية