لم نكن نصدق -نحن الرجال- إمكانية أن نتخلص من الفِرق الإسلامية التي تعاركت على مدى التاريخ علمياً وفقهياً وسلوكياً، حتى ظهرت علينا اليوم فرقة نسائية جديدة -لربما بالنسبة لي- تدعى "القبيسيات". وهو تنظيم نسائي يُنسب إلى امرأة تعيش في سوريا وتبلغ من العمر 75 عاماً. ولقد تفرعت عن هذه الفرقة عدة فرق، منها: الطباعيات (في الأردن) والسحريات (في لبنان)، وبنات البيادر (في الكويت). أما الأفكار والعقائد التي تحملها تلك الجماعات فتتلخص بكونها قريبة من أفكار الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقديس المُلهمة والتسابق إلى تقبيل يدها وقدمها أحياناً، وكذلك تكرار مقولة بعض المتكلمين القدامى إن الله والعالم شيء واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق. وللتدليل على مقولاتهم، وردت عبارات في كتابهم (مزامير داوود) منها ما يلي: "كل ما تهواهُ موجود في ذات الله"، "قل لله وحدهُ في الكثرة، ما ترى سواهُ في كل كائنة". ومن طرائقهم في (تقديس) ملهمتهم المذكورة، اعتبار طاعتها مُقَدَّمة على طاعة الأب أو الزوج أو وليِّ الأمر، ولديهم أيضاً طقوس أخرى في الصلاة. ولقد صدر عن اللجنة العلمية للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - موقع الإفتاء- ما يفيد التحذير من الانجذاب إلى هذه الفرقة، أو تولي أفرادها تدريس النشء، أو دخولهم في الجمعيات النسائية، حتى لا يُفسدوا عقائد الناس، ولا تجب طاعة هذه الفرقة لأنهم خالفوا الكتاب والسُّنة. 22/6/2008.www.alifta.com يذكر صاحب كتاب "نشأة الفرق الإسلامية" الشيخ محمد حمزة، أن أولى الفرق ظهرت على يد اليهودي عبدالله بن سبأ الذي أظهر الإسلام واستبطن الكفر، وكاد للمسلمين كيداً مازالوا يعانون آثاره ويصْلوْن ناره. لأنه هو الذي ألّب الناس على عثمان فقتلوه. كما انقسم المسلمون في خلافة عليٍّ رضي الله عنه، فريق سارع إلى تقديم الولاء إلى الخليفة الجديد، ومعسكر ثانٍ تملَّكه الأسى والجزع لما نزل بعثمان رضي الله عنه. وتعالت صيحات أهل الشام ومصر ومكة واليمن لأخذ القصاص من القتلة الظالمين. وبعدها حصلت معركتا الجمل وصفين. ثم وقع التحكيم والشقاق في معسكر عليٍّ، حيث انقسم جندهُ إلى شيعة ظلوا على الوفاء له والتعلق به، وخوارج رفضوا التحكيم. وبعد الخوارج ظهرت فرقٌ عديدة منها: الأزارقة، النجدات، الصفرية، ثم الشيعة، ومن أشهر فرقهم: (السبئية، الكيسانية، المغيرية، التوابون، الزيدية، الإمامية، الإسماعيلية، القرامطة، الفاطميون، الدروز -فرقة إسماعيلية باطنية. كما ظهر المعتزلة والمرجئة (ظهرت بين الخوارج والشيعة والمعتزلة) وهم الذين أرجأوا الحكم في أمر الحرب بين الخوارج والشيعة إلى الله. ثم الجبرية، الاختيارية، (كرد فعل على مذهب الجبرية)، وانتهاءً بالبهائية، والقاديانية وغيرهما. هذا طبعاً مروراً بظهور فرق أخرى كثيرة كالأشاعرة (السُّنة)، ثم نأتي إلى أئمة السُّنة وأصحاب المذاهب الأربعة (أبو حنيفة النعمان، الإمام مالك، الإمام الشافعي، الإمام أحمد بن حنبل). وهكذا نجد أن فِرق المسلمين عديدة ومتنوعة، وأن التشرذم الذي حصل في تاريخ المسلمين -بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم- قد ساهم في ظهور هذه الفرق، وتداول أفكارها في شؤون المسلمين على أساس سياسي بحت، وليس دينياً. واليوم، ونحن نشهد ظهور تلك الفرق المشار إليها "القبيسيات" في العالم العربي، حريٌّ بنا أن نلتفت إلى تربية أبنائنا تربية سليمة بعيدة عن أفكار التضليل بحيث يكونون قادرين على مواجهة الحياة وما يجعلهم مواطنين منتجين وفاعلين في المجتمع، بدلاً من أن "نشوش" أفكارهم بعصبيات الماضي أو "اختراعات" الحاضر من الأفكار الماورائية التي لا تفيدهم في حياتهم اليومية. نحن دوماً نقول إن الدين لله، وليتصل الإنسان بخالقه بالطريق المعروفة الواضحة، ولا يجوز "تخريب" عقول الناس، خصوصاً بأفعال أو أقوال السفهاء الذين يحاولون تفتيت المجتمع الإسلامي إلى جماعات وأحزاب لن يجني من ورائها شيئاً سوى العبث بالأمن السياسي، وإلهاء الناس عن القيام بأدوارهم في الحياة، وعن إعمارهم للأرض كما أمر الله، عبر المناجزة والخوض في أحاديث وحوادث حصلت قبل 14 قرناً. ولربما حصلت أخطاء أو انتهاكات لحقوق ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، وليتولَّ الله الظالمين وينصر المظلومين يوم القيامة، ونحن لا يجوز أن ننصب أنفسنا حكماء أو حكاماً نقرر من هو الظالم ومن هو المظلوم في تلك الحوادث التي نقلت إلينا منذ 14 قرناً. واليوم، وإن اختفى أو تلاشى العديد من تلك الفرق الإسلامية، نجد أن أبرز خلاف مازال حتى اليوم هو حول العلاقة بين السُّنة والشيعة! وهو أمر نأمل أن يزول، وتصدر فتاوى جديدة ترفض التاريخ "التخويني" لأي طرف من الطرفين، وتدعو الناس إلى النظر لهذا القرن بعين هذا القرن، وليس بعين القرن الهجري الأول! ولاشك أنها بادرة حميدة تلك التي قام بها شيخ من قبيلة شمر عندما قام بالصلاة في مسجد للإخوة الشيعة، وبإمامة رجل دين شيعي من القطيف! وهذه البادرة ينبغي أن تُقابل بمثلها من إخواننا الشيعة وأن يقوموا بالصلاة مع إخوانهم السُّنة، وبذلك يسدُّوا أبواباً ظلت مفتوحة طوال 14 قرناً دونما فائدة، ودون تحقيق أية مكاسب سوى الضغائن والتفرقة والشعور بالألم ومعاداة الطرفين لبعضهما بعضاً. واليوم، وإثر الفوضى التي تجتاح العراق الجريح، يتكرر المشهد الذي حصل في معركتيْ الجمل وصفين، اللتين فقد فيهما المسلمون آلافاً من القتلى بأيدي بعضهم بعضاً. يتكرر المشهد في العراق حيث نجد الانتقامات اليومية بين الطرفين (السُّني) و(الشيعي) ولكأنهما يستمرئان استحضار (الجمل وصفين)، و(كربلاء)، بل والمؤامرة على زعماء المسلمين (علي) و(معاوية) و(عمرو بن العاص)، حيث اجتمع عليهم نفرٌ من الخوارج هم (عبدالرحمن بن ملجم والبراك بن عبدالله وعمرو بن بكر التميمي) حيث تولى كل منهم زعيماً مسلماً، فعليٌّ قتله ابن ملجم، والبراك ضرب معاوية لكنه لم يُقتل في الحين، ولم يتمكن (التميمي) من عمرو بن العاص، حيث خرج صاحب شرطته للمسجد (خارجة بن حذافة) فقتله (التميمي)، وقيل في هذا المقام: "أراد عُمراً وأراد الله خارجة". نحن نأتي بهذه الحوادث للتدليل على أن هذه الأمة مازالت تعيش في الماضي، وأنها سجنت نفسها في عقال التاريخ. فالذي يجري في العراق ليس سباقاً نحو الكرسي -كما هو متعارف عليه في ظل الاحتلال والفوضى- بل هو انتقام من أهل العهد الماضي من السُّنة! وهو ارتداد تاريخي لحقيقة المواقف بين السُّنة والشيعة، وإخواننا الذين ينكرون هذا الموقف يجنحون خارج دائرة الصواب اعتماداً على منهج قديم. نحن هنا نحذر من تغلغل الأفكار الهدامة إلى نسيج المجتمع العربي والإسلامي، وتكفينا مشاهد القتل التي تقوم بها "القاعدة" وأتباعها، وللأسف فإنها تزعم أنها تستند إلى الإسلام وتقتّل المسلمين والأبرياء. نحذر من الجماعات التي تتفنن في تحريف أصول الدين والتلاعب بعقول بعض النساء البريئات؛ عبر ترويج أفكار هدَّامة، تستغل ضعف المرأة بواسطة الدين، ما يجعل المرأة مشوشة الفكر مسلوبة الإرادة، غير قادرة على أخذ دورها في تربية الأبناء والإخلاص للوظيفة والدور الاجتماعي المنوط بها، حيث تظل سجينة الماورائيات وانتظار ما لا يأتي، في الوقت الذي يضعف لديها الوازع الديني الأصلي وتتعلق بشخصيات وهمية لا تقدم ولا تؤخر. ولحماية أهلنا وبيوتنا يجب علينا جميعاً -أفراداً وحكومات- أن نحارب هذه الجماعات التي تتشكل يومياً -مثل الفضائيات- وأن نحذر أهالينا من مغبة التعامل مع تلك الجماعات. كما أن للحكومات دوراً في الحذر والتحذير من دخول أو تغلغل أفكار هذه الجماعات إلى بلادنا العربية والإسلامية، فهي أهم من محاربة المخدرات والدعارة.