الصيف وما أدراك ما الصيف! مرحلة تمر علينا جميعاً. في منطقتنا يعاني الناس من الحرارة والرطوبة المرتفعة، والتي لها بلا شك انعكاسات سلبية على حياة الإنسان وصحته، ولكننا في الإمارات تعاملنا مع متغير الطقس بصورة حضارية، فبالرغم من أن الحرارة في الخارج تصل إلى ما يقارب الخمسين تحت الشمس، فإنها في مكاتبنا وأسواقنا وبيوتنا لاتتجاوز الخمسة والعشرين، بل في بعض المراكز التجارية هي تحت الصفر حيث يستمتع الناس بالتزلق على الجليد الاصطناعي. ومن هنا، فإننا استفدنا من حرارة الطقس في جني ثمار الصيف، والتي من أشهرها الرُّطب بكل أصنافه، وتعاملنا مع حرارته بالأجواء المكيفة أينما ذهبنا. والسؤال الذي أطرحه في هذا المقال يرتبط بالفترة نفسها، لكن من زاوية أخرى، نعم لقد قرر البعض سراً أو علناً أن الصيف هو للراحة الجسدية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ. ومن ضمن الراحة الجسمية تأتي قضية خمول الفكر، وبلغة أخرى لقد أعطى البعض دماغه راحة صيفية بابتعاده عن مصادر نشاط الفكر. لو تأملنا في حال التلاميذ مثلاً، سنجد أنه في هذا الفصل تنتهي المدارس ويودع العلم والتعلم، لذلك نجد هجرة جماعية عن مصادر المعرفة، والتي من أشهرها القراءة ومتابعة الكتب. نعم لقد قال البعض في نفسه للعلم: هذا فراق بيني وبينك. وحتى سبتمبر القادم، حيث موعد المدرسة، لا نرى إلا القليل من الناس يجعلون نصيباً من الكتب رفقاء لهم في حلهم وترحالهم، وكأن الكتاب ارتبط بالعذاب الذي يناله المتعلم في مدرسته. هذا الاقتران الشرطي، دفع التلاميذ للابتعاد عن كل ما يذكرهم بماضيهم المؤلم، فهجروا المدرسة مادياً ومعنوياً. فلو قدمت لأحد الأبناء قصة مثلاً كي يقرأها، لقال لك بكل عفوية لقد انتهت المدرسة، وهذا جواب مؤلم ومضحك. أعداد منا ستسافر في رحلات طويلة، وفي بعض الأوقات أتطفل كي أعرف ما يحمله الأبناء في حقائبهم الصغيرة التي يودون أن تكون معهم في الطائرة كي أجد أن المقتنيات لن تتجاور بعض الحلويات والألعاب الإلكترونية التي تلهيهم طوال الرحلة، ولو فتحنا هذه الحقيبة عند غير العرب لرأينا الألعاب ولكن معها قصة أو كتاب. إنه خمول الفكر الذي فرضته علينا المدرسة التقليدية وقدوتنا في الحياة هكذا هو شعار الصغار. لكن ماذا عن الكبار؟ لن تجد الصورة أفضل من الأبناء، فالأب والأم العاملان طوال العام آن لهما أن يستريحا وشعار هذه الراحة، هو نوم في النهار وسهر حتى الأسحار. ونجد أُسَراً كاملة حوّلت الليل نهاراً وأظلمت عليهم غرفهم طوال النهار. وشعارهم هذا هو دواء الحر في الخارج، كسل في الحراك البدني والحركة الجسدية ظناً منهم أن الراحة هذا شعارها، وقد جاوزوا الصواب، ففي القرآن الكريم آية عجيبة تتطرق إلى الفراغ يقول فيها الله تعالى "فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب". نعم فمع الفراغ لابد من الشغل المفيد الذي يحرك العقل قبل الجسم، وإلا أصبنا بداء الغبن الذي تحدث عنه نبي هذه الأمة في قوله: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". فالفراغ القاتل هو ذلك الوقت التي نقتله بألاَّنفعل فيه شيئاً يذكر، وكأنما خلقنا لأي غاية سوى الراحة والدعة، وعندها تكون المصيبة عقلاً خاملاً وجسداً كسولاً. لابد في نهاية المطاف من علاج فعال لخمول العقل، ولعل أهم دواء هو في القراءة التي هجرها الناس، رغم أن القرآن عندما نزل كانت أول كلمة حولت العرب من أمة بدوية تجري وراء "الجرابع" في الصحراء إلى قادة للحضارة الإنسانية، كانت هذه الكلمة هي إقرأ، ومن هنا نقول: القراءة فريضة دينية ورياضة عقلية.