كشفت وزارة العمل في إحصائيات حديثة لها - نشرتها "البيان"- أمس، أن نحو 501 شركة بالقطاع الخاص في أبوظبي حققت نسبة توطين بلغت 0.6% حتى بدايات العام الجاري، حيث بلغ عدد المواطنين العاملين في تلك الشركات 1769 مواطناً من إجمالي 273 ألفاً و908 عاملين. وفي الوقت نفسه، أكدت هذه الإحصائيات حدوث تقدم ملموس في عملية التوطين في عدد من المؤسسات والهيئات الأخرى. ومما لاشك فيه أن المتابعة الدقيقة التي تقوم بها وزارة العمل لمسار عملية التوطين وتوجّهاتها المختلفة، والتي تترجمها الوزارة في مثل هذه الإحصائيات التي تنشرها تباعاً، تؤكد الأهمية الفائقة التي تعطيها الدولة للتوطين في إطار سعيها لتحقيق العديد من الأهداف التي يأتي في صدارتها تعزيز الهوية الوطنية، وذلك بالنظر إلى التأثيرات السلبية التي أفرزتها العمالة الوافدة في هذا المجال، فضلاً عن الهدف الخاص بالحدّ من الخلل الحاصل حالياً في التركيبة السكانية، والذي يفرز هو الآخر تأثيرات سلبية متعددة. وهذان الهدفان يتمتعان بأهمية مركزية، خلال المرحلة الراهنة، بشكل خاص، مع إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة - حفظه الله ورعاه- العام الحالي عاماً للهوية الوطنية. وفي الواقع، فإن هذه الأهمية القصوى التي تعطيها الدولة لعملية التوطين عبر المؤسسات المعنية، تعكس نفسها في مظاهر متنوعة، منها الجهود الدؤوبة التي تبذلها الجهات المعنية بتطوير الكوادر الوطنية، كهيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية، وبرنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية، والتي تقوم بدور كبير في مجال تأهيل أكبر عدد ممكن من المواطنين وصقل مهاراتهم الخاصة، لكي يكون بمقدورهم اكتساب القدرات التي تؤهلهم للحصول على الوظائف المطلوبة. ومنها أيضاً المعارض الدورية للتوظيف التي تقيمها مؤسسات مختلفة، بهدف فتح الباب أمام المواطنين الباحثين عن عمل. وهذه الجهود المتواصلة لتدعيم التوطين في القطاعين العام والخاص على حد سواء لها مردوداتها الإيجابية، وإنْ كان هناك كثير من المؤسسات لا تزال نسبة التوطين فيها متدنية، وربما متدنية للغاية في بعض الأحوال، على غرار ما كشفت عنه إحصائيات وزارة العمل السالف الإشارة إليها. وهذه النسب المنخفضة تؤكد ضرورة بذل المزيد من الجهود، وإطلاق المزيد من البرامج الخاصة بتدعيم عملية التوطين في القطاع الخاص على وجه التحديد، حيث إن نسبة العمالة المواطنة فيه لا تزال دون المستوى المطلوب. ومن ناحية أخرى، فإن هذا القطاع يشهد قفزات كبيرة، تجعله بحاجة دائمة لمزيد من الأيدي العاملة، وهنا يجب التأكد من أن المؤسسات الخاصة ملتزمة بالتوجهات العامة للتوطين. يُضاف إلى كل ذلك أن القطاع الخاص صار شريكاً أساسياً في عملية التنمية، ودخل قطاعات جديدة حيوية، وهذان الأمران يضيفان المزيد من الأهمية على التوطين في المؤسسات التابعة لهذا القطاع. إن أهمية قضية التوطين لا تنحسر فقط في مجال فتح الباب أمام تشغيل العمالة المواطنة، على الرغم من الأهمية الشديدة لهذا الأمر، وإنما لها أبعادها الاستراتيجية الحيوية، ولذلك يحظى التوطين بهذا الاهتمام المتقدم على أجندة العمل الوطني. ومن المؤكد أن الجهود المتواصلة المبذولة في مجالي التدريب والتوظيف، كانت لها نتائجها الإيجابية، وبالنظر إلى هذه الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها قضية التوطين، فإن المطلوب هو مواصلة هذه الجهود، وتكثيفها، عبر المزيد من السياسات الهادفة إلى رفع نسبة المواطنين في مؤسسات القطاعين العام والخاص كافة، وعبر تشجيع المواطنين على الالتحاق بالعمل في القطاع الخاص على وجه التحديد، حتى تصل هذه النسبة إلى المستوى المنشود، وذلك على النحو الذي يسهم في مكافحة الخلل القائم في التركيبة السكانية، ويحد من التأثيرات السلبية لتزايد العمالة الوافدة على هويتنا الوطنية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية