إن مفهوم الثقافة السياسية يعتبر أمراً مهماً في فهم استقرار النظم السياسية وكظاهرة تتواجد لدى جميع الشعوب وأنها تؤثر على الاستقرار السياسي والتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولكن على الصعيد الشعبي لكافة المجتمعات البشرية فإنها غير واضحة في أذهان شعوب العالم النامي. ولو أمكنت الإجابة على مجموعة الأسئلة التالية فإن النتيجة تكون فكرة متكاملة حول الثقافة السياسية: فما هو تعريف الثقافة السياسية؟ وما هي البنى التي تكونها؟ وما هي أنواعها أو أنماطها المتواجدة؟ وهل هي مرتبطة بالتنشئة السياسية؟ وما هي علاقتها بالتقليد والحداثة؟ وما هي العوامل التي تحددها؟ وما علاقة التحضر بالثقافة السياسية؟
ونظراً لعدم إمكانية الإجابة على جميع تلك التساؤلات فإننا سنكتفي بالتعرض للإجابة على السؤال الأول المتعلق بتعريف الثقافة السياسية. إن الثقافة بشكل عام تعرف بأنها تتكون من عناصر رئيسية ثلاثة هي أنماط السلوك، وكل ما ابتكره الإنسان من وسائل مادية، ومن نظم الاعتقاد كالأديان والقواعد الأخلاقية والمدنية.
إن القرارات السياسية والمؤسسات السياسية لا تتخذ أو لا تتواجد في فراغ، ولا يتم تجاوب شعب ما مع حكومته من فراغ أيضاً. لذلك فإن أداء النظام السياسي لا يمكن فهمه بشكل كامل دون أن يأخذ بعين الاعتبار النفوذ الذي تحدثه الثقافة السياسية، أي المنظومة المشتركة من القيم والتوجهات والمعتقدات السياسية. هذه المنظومة يمكن أن تلخص بأنها طرق أو عادات أو تقاليد من التفكير والسلوك التي يعيش البشر وهم يمارسونها، والتي تستمر المؤسسات الاجتماعية قائمة عليها.
ولكي يتم فهم الثقافة السياسية لابد وأن تجري عملية تقييم لمؤشرات التفكير الاجتماعي التي يكون فيها للسياسات معنى وهدف وقيمة. وهنا توجد عملية ذات اتجاهين: الأول هو أن الثقافة السياسية الضمنية تقدم العديد من الافتراضات الأساسية التي تتحكم في السلوك السياسي وتطور المؤسسات. والثاني، هو أنه في الاتجاه المعاكس يعمل النظام السياسي القائم كرابط وكعامل إشراط. وفي سياق هذا الإشراط فإنه يؤثر على الحدود التي تتواجد ضمنها الثقافة السياسية. إن معتقدات الفرد السياسية هي جزئياً رد فعل على شخصيته الخاصة، وجزئياً على كامل نفوذ التنشئة البيئية والثقافة السياسية الإجمالية. هذا النوع من المواقف يؤثر على أنواع المطالب التي تطرح والطريقة التي يتم بها التعبير عنها والاستجابات التي تبديها النخب السياسية والحكومات تجاهها.
نخلص إلى أن الثقافة السياسية يمكن أن تعرف بطريقتين، ويعتمد ذلك على المستوى الذي يراد به دراسة الحياة السياسية في مجتمع ما. فإذا ما تم التركيز على الفرد فإنه يصبح للثقافة السياسية بعد سيكولوجي، وتشمل جميع الوسائل التي تتم بها تنشئة الفرد تجاه العناصر المهمة في نظامه السياسي. وفي هذه الحالة فإن المراد هو معرفة كيف يشعر الفرد ويفكر حيال الرموز والمؤسسات والقواعد التي تكون الوضع السياسي الأساسي لمجتمعه وكيف يكون رد فعله تجاهها. وفي الواقع فإن ما يتم القيام به هو سبر غور البعد السيكولوجي من حياة الفرد الاجتماعية، ويتم السؤال عن ماهية الروابط التي تتواجد بين الفرد وثوابت النظام السياسي الذي يعيش فيه وكيف تؤثر تلك الروابط على سلوكه؟
والتعريف الثاني للثقافة السياسية يعود إلى التنشئة الجماعية للناس تجاه العناصر الأساسية لنظامهم السياسي. ويعتبر هذا منهجاً يخص مستوى النظام، ويكون الأمر متعلقاً بمعرفة كيفية قيام جماهير المواطنين بتقييم مؤسساتهم السياسية والمسؤولين الذين يديرونها. فعندما يقال إن ثقافة أمة ما السياسية مشتركة ومتماسكة فإن ذلك يعني أن معظم الناس لديهم تنشئة سياسية متشابهة أو مشتركة، بمعنى أنهم يكونون متجانسين روحاً وطباعاً ومصلحة تجاه مؤسساتهم السياسية. وعندما تتم مناقشة الثقافة السياسية ضمن هذا التعريف فإن الأمر يعود إلى التنشئات السياسية الجماهيرية التي تحدث عبر كامل النظام السياسي. والتعريف الأخير يبدو أنه ذو مصداقية بالنسبة للثقافة السياسية لشعب دولة الإمارات العربية المتحدة، والدليل على ذلك هو أن وعي مواطنيها بثقافتهم السياسية يقويِّ فهمهم للأحداث السياسية التي تدور في وطنهم، ونتيجة لذلك فإن نظرتهم وتقييمهم لمؤسساتهم السياسية يسجلان درجة عالية من الثقة فيها والاستجابة الإيجابية نحوها.