المساواة بين الجنسين... النموذج المثالي لرياضة المستقبل
كثيراً ما حملت الصفحات الأولى لكبريات الصحف الأميركية والأوروبية صور لاعبات كرة السلة والقدم ومختلف أنواع الرياضات الأخرى، وأثنت على الانتصارات الكبيرة التي حققتها النساء. وبالقدر نفسه نقلت شبكات التلفزيون والراديو هذه الأخبار وساهمت في انتشارها. وفي حين يثير فوز العداءة "رادكليف" بمسابقات ماراثون مدينة نيويورك لعام 2007 على رغم حملها، وكذلك قيادة زميلتها الحامل "بريندا فيرس" لفريق جامعة ميريلاند لكرة السلة إلى النصر والوصول إلى نهائيات مسابقات كرة السلة القومية، على رغم حملها هي الأخرى، كل هذه الضجة الإعلامية، إلا أنه يظهر بدلاً من أن يخفي حقيقة الاختلاف الفسيولوجي بين النساء والرجال، الذي ينظر إليه على أنه أمر طبيعي للغاية في نظر الغالبية. وفي الحقيقة فإن هذين المثالين وغيرهما كثير، إنما يناهضان الاعتقاد السائد بدونية جسم المرأة في مجالات القوة والرياضة، قياساً إلى الرجل. وبسبب هذا الاعتقاد، فقد ظلت النساء دونيات ومتخلفات نوعاً ما عن الذكور في مجال الرياضة، على رغم التقدم الهائل الذي أحرزنه في عدة مجالات أخرى مهمة مثل الدراسة والعمل والاستثمار وتولي المناصب السياسية والإدارية العليا... إلى آخره. وفيما لو تمعنا ودرسنا كافة أنواع رياضات ألعاب القوى المنظمة، من الفرق والروابط الرياضية المحلية في الضواحي والمدن، وصولاً إلى المسابقات الأولمبية الدولية، فسوف نلحظ من السلوكيات والممارسات ما يغذي هذا الاعتقاد الخاطئ بأنه ليس في وسع النساء ممارسة ألعاب القوى هذه، بذات القدر من القوة واللياقة، أو لنفس المدة الزمنية التي يستطيع الرجال ممارستها. ومن هنا ترسخ الاعتقاد بطبيعية بل وهيمنة الفصل الحاد في جميع أنواع الرياضة هذه بين الجنسين. غير أن الذي تبين لنا أن هذا الفصل ليس عادلاً ولا يوجد مبرر له أصلاً. وعند تأمل هذا الاعتقاد السائد فإنه يتضح لنا أنه لا يقف عند الطريقة التي ينظر بها الجنسان إلى بعضهما البعض في مضمار الرياضة وحدها، وإنما إلى مجمل نظرتهما إلى بعضهما في كل شيء.
ولهذا التعصب الجنسي ضد النساء جذوره التاريخية الممتدة. فمنذ أيام الحضارة اليونانية، أرسى الفيلسوف أرسطو دعائم نظرية الضعف البدني للنساء، بتركيز خاص منه على الرحم الذي يفتقر إليه الرجال. واعتماداً على الرحم، تمكن أرسطو من بناء نظريته الخاصة بدونية المرأة جسدياً. ومن بعده جاء "الفكتوريون" ليستكملوا ما بدأه أرسطو بوضعهم لنظرية علمية كاملة، تكرس فكرة الضعف الطبيعي للنساء. وقد استندت هذه النظرية إلى دور المرأة في الإنجاب، داعين إلى حمايتها والحد من حركتها وخلودها إلى الراحة بشتى الطرق والوسائل.
وعلى رغم أن الصور الدعائية والتلفزيونية الرياضية اليوم، لا تخلو من صور نساء رياضيات في ألعاب القوى، مفتولات العضلات ومبتلات بالعرق من رؤوسهن وحتى أخمص أقدامهن، في إطار الترويج للرياضات النسائية، إلا أن الصورة المؤسسية التي أرسيت عن الضعف البدني للنساء منذ أيام أرسطو، لا تزال هي الأكثر رسوخاً. ولمن يشكك في صحة هذا القول فما عليه إلا أن يأخذ بالأمثلة التالية: يخوض لاعبو التنس من الرجال خمس جولات تنافسية، في حين تقتصر جولات النساء على ثلاث فحسب. وتعود هذه القاعدة إلى القرار الذي اتخذه الاتحاد القومي الأميركي للتنس في عام 1902، مخافة "الإجهاد المفرط" للنساء. أما في لعبة الجولف، فتمتد جولات أي صبي من الصبية اللاعبين، بصرف النظر عن مستوى مهارته أو تأهيله لممارسة اللعبة، إلى 18 جولة، مقارنة بـ 9 جولات فحسب للفتيات كحد أقصى. ولك أن تقيس على هذين المثالين منع الفتيات من اللعب المشترك مع الصبية في كرة السلة وفي السباحة وكرة القدم وغيرها من شتى أنواع الرياضة.
ولكي لا نشتط في انتقادنا لهذه الصورة المؤسسية لضعف المرأة، فلنعترف أولاً بوجود اختلافات فسيولوجية بين النساء والرجال كمجموعتين اجتماعيتين مختلفتين عن بعضهما البعض. وهذا ما يمكن فهمه في رياضات بعينها مثل كرة القدم والملاكمة. إلا أن هناك عدة رياضات أخرى تصعب فيها ممارسة أي تمييز بين الجنسين، منها البلياردو مثلاً. ومهما يكن هذا الاختلاف الفسيولوجي بين الجنسين، فقد ثبت تفوق المرأة على الرجل في الأنشطة التي تتطلب قدرة أكبر على التحمل. وبما أن هذه حقيقة علمية الآن، فلماذا يلاحظ القصور النسبي لمشاركة الرياضيات في مباريات الأولمبياد العالمية مقارنة بالأنشطة التي يمارسها الذكور؟
ومن رأينا أن الرياضة ليست سوى معبر لإحراز النجاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لكلا الجنسين. ولهذا السبب فإنه ليس كافياً مجرد السماح للجنسين بممارسة الرياضة معاً وعلى قدم المساواة، بل الصحيح أن يكون اللعب المشترك للجنسين، هو النموذج المثالي الذي نبني عليه رياضة المستقبل. وبهذا الفهم، فإن معيار التمييز في المجال الرياضي بين الفتيات والصبية، يجب أن يقوم على معايير المهارة الفردية لكل لاعب ولاعبة، وليس على أساس التمييز الجنسي بينهما. وهذا ما يجب أن نبني عليه رياضة المستقبل، خاصة في الرياضات البدنية وألعاب القوى التي ينخفض فيها أثر الفارق الفسيولوجي بين الجنسين.
وهناك من يبدي جزعاً من أن يؤدي اشتراك النساء والرجال معاً في أداء ألعاب القوى بالذات، إلى انهيار الرياضة النسائية بالكامل. وعلى رغم صحة تفوق اللاعبين الذكور على أقرانهم النساء في هذه الألعاب في غالب الأحيان، إلا أن نظرة أكثر شمولاً إلى مجمل مشهد هذه الرياضات، ستخلص إلى ملاحظة تداخل باهر ومذهل في النتائج التي يحققها كلا الجنسين في ساحات اللعب وميادين الألعاب هذه.
لورا بابانو وإلين ماكدوناف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤلفتا كتاب (اللعب مع الأولاد: أسباب عدم عدالة الفصل بين الجنسين في الرياضة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"