لسنوات كان القول الشائع هو إن أسلوب الإعدام بالحقنة القاتلة هو أكثر أساليب الإعدام رأفة وإنسانية، وهو قول أبعد ما يكون عن الحقيقة. ففي إحدى حالات الإعدام بهذا الأسلوب التي تناولتها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مؤخرا، تبين أن السلطات التابعة للحكومة الاتحادية في ولاية "ميسوري" قد دأبت على تنفيذ حالات الإعدام بمساعدة من طبيب، ممنوع أصلا من المشاركة في تنفيذ عمليات الإعدام التي تتم بهذا الأسلوب؛ فقد تبين لمحكمة فيدرالية في هذه الولاية أن موظفا يدعى "آلان آر. دويرهوف" ممنوع من المشاركة في أي عملية إعدام بأسلوب الحقنة القاتلة بسبب معاناته من "الديسلكسيا" أي من صعوبة في القراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية، وهو ما يؤثر على قدرته على التعامل مع العقاقير. وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من اللوم العلني الذي وجهته له المحكمة بسبب عدم قيامه بالإبلاغ عن ما يزيد عن 20 قضية إساءة ممارسة مرفوعة ضده، فإن "دويرهوف" يواصل العمل في قسم الإعدامات الفيدرالية في الولاية. يشار في هذا السياق إلى أن هناك 37 ولاية قد حددت أسماء بعض المواد الكيماوية التي يمكن أن تسبب آلاما مبرحة عند تعاطيها ولكنها- على الرغم من ذلك- قامت بإسناد مهمة التعامل مع هذه العقاقير إلى أشخاص غير مؤهلين مما ترتب عليه أن بعض المساجين عانوا آلاما مبرحة عند تنفيذ حكم الإعدام فيهم باستخدام أسلوب الحقنة القاتلة، وأن المرجح أن يستمر هذا الشيء في الحدوث، ما لم تقم الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بإجراء مراجعة جوهرية للأساليب التي تطبقها في تنفيذ أحكام الإعدام بها. في شهر يناير المقبل سوف تستمع المحكمة العليا إلى مرافعات ستؤدي إلى تحديد المعايير اللازمة التي يمكن الاستناد إليها للتأكد من أن درجة الألم والمعاناة التي يسببها أسلوب الإعدام بالحقنة القاتلة، تخالف الحظر الوارد في التعديل الثامن على الدستور والمفروض على استخدام وسائل العقاب القاسية وغير المعتادة. والطريقة السائدة للإعدام باستخدام الحقنة القاتلة تقوم على استخدام ثلاثة أنواع من الحقن: الحقنة الأولى هي حقنة مخدرة قوية، أما الثانية فهي حقنة تؤدي إلى شل عضلات السجين كلها بما في ذلك حجابه الحاجز، في حين تتسبب الثالثة في شعور شديد بالحرقان أثناء مرور محتواها في الأوردة نحو القلب حيث تؤدي في النهاية إلى إحداث نوبة قلبية تؤدي إلى وفاة المحكوم عليه بالإعدام. لذلك فإن السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، الذين لا يتم تخديرهم بالشكل الكافي، يمكن أن يظلوا مخدرين في نفس الوقت الذي يعانون فيه من ألم رهيب وشعور بالاختناق قبل الموت دون أن يكون ذلك ملحوظا من قبل الذين يشاهدون عملية الإعدام. ليس هناك من داع لأن يكون الإعدام باستخدام الحقنة القاتلة مؤلما على هذا النحو؛ وهو ما يوافق الخبراء على الرأي القائل بأن هناك عقاقير أخرى يمكن أن تؤدي إلى الموت دون أن تتسبب في معاناة المحكوم عليهم بالإعدام بآلام شديدة لا داعي لها. ونظرا لأن الولايات المختلفة قد اختارت عقاقير "شديدة الحساسية للخطأ"- أي يمكن اكتشاف أي خطأ في استخدامها بسهولة- فإنه كان من المحتم -والحال كذلك- أن تعمل تلك الولايات على مراعاة توظيف الأشخاص المناسبين لإعطاء تلك الحقن للمحكوم عليهم بالإعدام، ولكن هذا لم يحدث للأسف حيث لا يزال العديد من الولايات تستخدم أشخاصا غير ملائمين لتنفيذ هذه الإعدامات كما تشير إلى ذلك الكثير من حالات الإعدام. وبدلا من اعتراف الولايات بهذا التقصير، فإنها سعت بدلا من ذلك إلى إخفاء حقيقة أن أفرادها غير مؤهلين. وعلى الرغم من محاولاتها تلك فإن هناك بعض المعلومات التي بدأت في التَكشُفْ تدريجيا. ففي أحدى حالات الإعدام في ولاية كاليفورنيا، كان المسؤول عن مراقبة استخدام أحد المواد المخدرة- التي يمكن استخدامها من قبل المدمنين في الشوارع أيضا- شخصا سبق له التعرض لعقوبة إدارية من قبل لقيامه بإدخال مواد مخدرة للسجن. وأشارت التحقيقات إلى أن هناك أعضاء آخرين في نفس فريق الإعدام الذي نفذ هذه العملية، لم يسبق لهم أن تلقوا تدريبا على الوسائل المستخدمة في الإعدام لدرجة، أنهم أظهروا قدرا كبيرا من الارتباك عند إعدادهم للمادة الكيماوية المخدرة، ولدرجة أنهم قاموا بتحضير مادة تبلغ قوتها عُشر قوة المادة المخدرة التي يجب إعطاؤها في تلك الحالة. وبعد كل تلك الأدلة الدامغة التي تم تقديمها على حدوث مخالفات في عمليات الإعدام لم يكن بوسع ولاية كاليفورنيا وغيرها من الولايات الاستمرار في إنكار حقيقة أن استخدام أشخاص غير مؤهلين في تنفيذ عمليات الإعدام بالحقن القاتلة يساهم في زيادة مقدار الألم والعذاب الذي يعاني منه المحكوم عليهم. هذا الاعتراف الذي يأتي متأخرا يثير غضب الكثيرين في أميركا الذين يرون أن الولايات المختلفة قد اختارت أشخاصا غير مؤهلين لتنفيذ هذه العمليات، ثم حاولت بعد ذلك التنصل من المسؤولية، وهم يلقون باللوم في ذلك على الحكومة الفيدرالية التي يرون أنها ملزمة بأن توفر للمواطنين الأميركيين معلومات دقيقة وواضحة تفيد بأنها بصدد إجراء عملية مراجعة شاملة لهذا الأسلوب الخاطئ في تنفيذ الإعدام، خصوصا وأن كافة الأدلة تشير أنها إذا ما استمرت في تطبيقه، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى ظهور المزيد من الأخطاء والمزيد من الألم والعذاب للمحكوم عليهم. إريك بيرجر ــــــــــــ أستاذ القانون الدستوري في جامعة نبراسكا ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"