يعود أصل شعبية علاج النساء بتعاطي الهرمونات بعد الحمل والولادة إلى اعتقاد مفاده أن تناول الأستروجين يحافظ على صحة وأنوثة النساء الدائمة، ويحمي عظامهن وبشرتهن وعضلاتهن وأدمغتهن، ومتعتهن الجنسية على وجه الخصوص. وقد فرّخت الثقافة الأميركية ذات التوجهات الشبابية اندفاعاً آخر إلى عقاقير ينبوع الشباب، التي أتت هذه المرة على شكل هرمون التستوستيرون في عقاقير توصف للرجال.
والتستوستيرون هرمون تحدث فورة في إفرازه أثناء سن البلوغ فيحوّل الصبية إلى رجال، وله تأثيرات مباشرة وغير مباشرة في مختلف خصائص وأنسجة الجسم كالعظام والعضلات والشعر والشحوم البطنية والمزاج، وفي الوظائف الإدراكية كالذاكرة والليبيدو(أي الطاقة الانفعالية أو النفسية المستمدة من الدوافع البيولوجية الأولية) أي في الشهوة الجنسية والفحولة. وقد ورد في الدراسات توثيق لحدوث تناقص تدريجي في إفراز التستوستيرون لدى الذكور بعد سن الثلاثين، وذلك بمعدل 1 إلى 2% سنوياً، وهو ما يعني تناقصه بمعدل الثلث عند بلوغ سن السبعين.
وقد أدت هذه الحقائق إلى زيادة هائلة في الطلب على عقاقير تعويضية، وخصوصاً مع اقتران ذلك بالتطورات الحاصلة في شكل العقاقير الناقلة لهذا الهرمون. ففي عام 2000 بلغ عدد وصفات التستوستيرون نحو مليونَيْ وصفة، بعد أن كان 648 ألف وصفة في كل من السنوات الثلاث السابقة. وقد تحقق في الآونة الأخيرة اكتشاف وجود تأثيرات خطيرة على النساء مصدرها تناول الأستروجين لتعويض النقص الحاصل، الأمر الذي دفع الكثير من الخبراء إلى التحذير من أخطار الاعتقاد بأن لتعويض النقص في هرمون التستوستيرون لدى الذكور فاعلية في علاج تأثيرات الشيخوخة الطبيعية.
ومن المشكلات الرئيسية أن معظم الدراسات المعنية بتعويض التستوستيرون كانت أصغر وأضيق نطاقاً من أن توضح الفوائد الصحية ودرجة الأمان على المدى الطويل. ولم تتضح المخاطر الشديدة لتناول عقاقير الإستروجين إلا بعد دراسة شملت آلاف النساء تأكّد فيها أيضاً عدم وجود أساس للاعتقاد الذي يقول إن تناول الهرمونات مفيد لصحة القلب.
وليس هناك من ينكر قيمة مواجهة ضعف الجسد والذاكرة وخسارة الوظيفة الجنسية وغير ذلك من المشكلات التي تترافق مع تقدم الرجال في العمر. غير أن لجنة معهد الطب التابع للأكاديمية القومية للعلوم في الولايات المتحدة أوصت بإجراء دراسات صغيرة تمهيدية ضيقة النطاق معنية باستكشاف درجة أمان وفاعلية تناول التستوستيرون، لكي يتسنى تقديم مبرّر لإجراء دراسة كبرى وقائية طويلة الأمد على آلاف الرجال الأصحاء. غير أن معرفة الأجوبة والحلول سوف تستغرق عقوداً من الزمن. ولن يكون هناك سوى بحوث أولية تمهيدية يعتمد عليها الرجال الذين يختارون تناول التستوستيرون في تلك الدراسة.
وفي مقال لهما نشرته دورية The New England Journal of Medicine في عددها الصادر يوم 29 يناير الماضي، يقول الدكتور إيرناني لويس رودن والدكتور أبراهام مورغينتالر، المتخصصَيْن في أمراض الجهاز البولي والعامِلَيْن في كلية الطب بجامعة هارفارد، إن ما يثير أشد القلق هو أن تناول هرمون التستوستيرون يساعد على استفحال أمراض القلب التي تصيب الرجال قبل النساء من حيث العمر. وقال الطبيبان إن هناك بيانات قليلة جداً تؤكّد العلاقة السببية بين ارتفاع مستوى التستوستيرون وأمراض القلب، ولا سيّما الأمراض القلبية الوعائية، لكنهما لم يعثرا على دليل يؤكد أن تناول الهرمون بمقادير عاديّة له تأثيرات سلبية في شحوم الدم المفيدة أوالضارة (الكوليسترول المنخفض الكثافة، والكوليسترول المرتفع الكثافة). أما ثاني أهم مصادر القلق فهو احتمال الإصابة بتضخم البروستات وسرطان البروستات. إذ أن إعطاء هرمون التستوستيرون للرجال الذين تنخفض لديهم مستويات هذا الهرمون سيؤدي إلى زيادة حجم غدة البروستات، لكنها لا تتضخم إلى حجم يتجاوز حجمها لدى الرجال الذين يكون التستوستيرون لديهم في مستوياته الطبيعية. لكن هناك أيضاً خوفاً أشد لدى الباحثين والأطباء من احتمال التسبب بتعزيز نمو سرطان البروستات الخفي، إذ من المعلوم منذ عام 1941 أن كبح إفراز التستوستيرون يؤدي إلى تراجع سرطان البروستات. وقال الطبيبان إن الدراسات أكّدت ترافق الانخفاض في معدل الإصابة بهذا السرطان مع المعالجة التعويضية للنقص الحاصل في نسبة التستوستيرون. لكن الأرقام التي استشهد بها الطبيبان تستند إلى متابعة امتدت ثلاث سنوات، ولذا من المتوقع أن تكشف الدراسات الأطول أمداً عن حقائق تخالف النتائج السابقة.
وفي العدد ذاته من الدورية الطبية المذكورة، يقول الدكتور بيتر سنايدر أستاذ أمراض الغدد الصماء في جامعة بنسلفانيا إن حسم الجدل حول ما إذا كانت نسبة الإصابة بسرطان البروستات ترتفع بمقدار 30% بسبب الهرمون، أمر من شأنه أن يتطلب إجراء دراسة تشتمل على عينة عشوائية مؤلفة من 6000 رجل في سن الكهولة تنخفض لديهم معدلات التستوستيرون، ويتناولون فيها هذا الهرمون على مدى ست سنوات كاملة.
وليست هناك سوى تطم