الصراع على نفط أفريقيا
عرفت القارة الأفريقية منذ زمن بعيد بثرائها بالموارد النفطية، غير أن التنقيب عن النفط واستخراجه تجارياً، لم يكن هماً من هموم الدول العظمى التي لم تر في تلك الموارد ما يستحق الجهد والمخاطرة من أجلها. ومن جهة أخرى فلطالما أهملت هذه الموارد من قبل الحكومات والأنظمة الأفريقية نفسها، بسبب ضعف مواردها وعدم توجه الكثير منها نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية أساساً. لكن مع ارتفاع أسعار نفط الشرق الأوسط، بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية التي عصفت بالمنطقة إثر الغزو الأميركي للعراق، وبسبب الخلاف الدائر بشأن البرنامج النووي الإيراني من جهة، إلى جانب تذليل التقدم التكنولوجي لعمليات التنقيب عن النفط واستخراجه بوجه عام من جهة أخرى، فقد اتجهت أنظار القوى الدولية العظمى إلى الكنز الأفريقي البكر المجهول، فيما يعيد إلى الذاكرة تكالب القوى الإمبريالية نفسها على موارد القارة خلال العهد الاستعماري في بدايات القرن التاسع عشر. فهاهي الولايات المتحدة الأميركية تستورد من النفط الأفريقي نسبة أكبر مما تستورده من المملكة العربية السعودية مثلاً. ثم هناك الصين التي دخلت استثماراتها في مجال الطاقة، حقولاً بكراً لم تطأها حتى أقدام الوطنيين الأفارقة أنفسهم.
والسؤال الذي يثور هنا: ما الذي تعنيه هذه الطفرة الاقتصادية النفطية التي تشهدها القارة السمراء، سواء بالنسبة لشعوبها، أم بالنسبة للقوى الدولية الكبرى المتنافسة على هذه الموارد؟
للإجابة عن هذا السؤال وما ارتبط به من أسئلة أخرى، كلّف جون جازفينيان الكاتب الصحفي ومؤلف هذا الكتاب نفسه عناء السفر والتجوال في اثنتي عشرة دولة أفريقية، منها السودان والكونجو وأنجولا ونيجريا، تحدث خلالها إلى لوردات الحروب وإلى المدراء التنفيذيين للشركات النفطية المستثمرة في القارة، وإلى ناشطي حقوق الإنسان، فضلاً عن العاملين في حقول النفط والمواطنين من عامة الناس.
وكما سبق القول، تتزايد يوماً إثر الآخر واردات الولايات المتحدة من النفط الأفريقي، قياساًِ إلى حجم وارداتها الشرق أوسطية. وخلال السنوات الثلاث الماضية، يعتقد أن أميركا أنفقت أكثر من 50 مليار دولار من استثماراتها الأجنبية في قطاع النفط الأفريقي. ولكي ندقق السؤال المطروح أعلاه، نتساءل عن معنى هذا النمو الاقتصادي النفطي الكبير بالنسبة لمواطني القارة العاديين؟ هل يسهم هذا النمو في حفز الإصلاحات والاتجاه نحو الديمقراطية في بلدانهم؟ هل يشجع دول القارة وحكوماتها على تبني نمط الحكم الرشيد وبسط العدالة الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعاتها؟ وإلى أي مدى تنعكس هذه الإيرادات النفطية الكبيرة خيراً ورخاءً على سكان القارة؟ هل النفط الأفريقي نعمة أم نقمة على المواطنين؟ المؤسف أن النتيجة العامة النهائية التي خلص إليها المؤلف مفادها أن تكالب القوى الدولية الكبرى على هذه الموارد، قياساً إلى أوضاع شعوب القارة وأحوالها الاقتصادية والسياسية، تذكر المرء بتلك العهود التاريخية الغابرة من تكالب القوى الاستعمارية على ثروات القارة ونهبها.
وبما أن نيجيريا آخر الدول التي شملتها جولة المؤلف، فقد وقف بنفسه على حقيقة ومأساة تمويل الإيرادات النفطية لتلك الدولة، لإحدى أطول النزاعات الدموية التي لم تضع أوزارها بعد في ذلك الجزء من القارة السمراء. وبناءً على معايناته استنتج المؤلف أن النفط هو القوة الدافعة الرئيسية لتلك النزاعات، بقدر ما هو مصدر لتمويلها وضمان استمرارها. وفي هذا فما أشبه النفط بالماس الدموي في منطقة غرب أفريقيا، وهو النزاع الذي بني عليه سيناريو وقصة الفيلم المشهور "الماس الدموي".
وخلال زيارته، كان المحتجون من المواطنين النيجريين في إقليم "أوجونيلاند" قد أنهوا للتو "احتلالهم" لأحد الأنابيب النفطية الرئيسية في الإقليم مدة أسبوع كامل، مع العلم أنه "الاحتلال" الذي أرغم شركة "شل" الهولندية على خفض إنتاجها في تلك الحقول إلى ما يقارب نسبة 40% يومياً. وفي حادثة أخرى طالب القرويون المقيمون في المناطق التي تجري فيها عمليات التنقيب واستخراج النفط، السلطات الحكومية بالتعويضات وبمنحهم سلطات إقليمية تخولهم إدارة مواردهم النفطية. والملاحظ أن المطالب الشعبية هذه لا تتسم بطابع سلمي، إنما تلجأ إلى العنف واستخدام وسائل الاختطاف والتفجيرات. وضمن هذه العمليات فقد اختطف القرويون المحتجون ما لا يقل عن 13 موظفاً أجنبياً من موظفي شركات النفط، إلى جانب استيلائهم على أحد الحقول التابعة لشركة "شيفرون" الأميركية، وتفجير عدد آخر من أنابيب النفط الأجنبية. وبالنتيجة اضطرت شركتا "شيفرون" و"هيركيولس" إلى إخلاء كافة موظفيهما وعامليهما غير الأساسيين من نيجريا حرصاً على سلامة أرواحهم. أما في دولة أخرى مثل السودان، فإنه يصعب تفادي التلازم الوثيق بين الحرب الأهلية في الجنوب ونزاعات ما بعد اتفاقية السلام المبرمة بين طرفي النزاع الرئيسيين هناك. ولا يزال لب هذا النزاع هو التوزيع العادل للثروة والسلطة والموارد.
وما بين نقمة الشعوب الأفريقية على سوء أوضاعها وأحوالها، والأنظمة الحاكمة المستبدة، تلعب القوى الدولية الكبرى –وبخاصة الصين- دوراً سلبياً معيقاً فيما يتصل بالإصلاح السياسي وتحقيق تطلعات شعوب القارة إلى العدل والديمقراطية والسلام.
عبد الجبار عبدالله
الكتاب: الكنز المجهول: صراع القوى العظمى حول موارد النفط الأفريقي
المؤلف: جون جازفينيان
الناشر: دار "هاركورت" للطباعة والنشر
تاريخ النشر: 2007