... وسقط وكْر "الخفافيش"!
أكتب من بيروت حيث القنابل والمفرقعات تدويِّ في السماء احتفالاً بسقوط وكر الخفافيش في نهر البارد؛ وكأن هذه المدينة لا تعرف أن تنام إلا على أصوات الانفجارات والقنابل. لكن هذه المرة -منذ أزل القدَر اللبناني- كانت انفجارات حياة واحتفال، وليست انفجارات موت.
تسللوا تحت جنح الظلام وفوق جراح لبنان. خالفوا اتفاقية الوجود الفلسطيني داخل المخيمات في لبنان المضيف المضياف، وزرعوا جنبات المخيم الآمن في نهر البارد حقداً وظلماً وقتلاً؛ حتى جاء صبح الحقيقة ليكشف أن تلك الزمرة المسماة "فتح الإسلام"؛ ما هي إلا "إغلاق" للحياة وإذكاء لـ"الكفر"!؟
في يوم الأحد 3 سبتمبر 2007 الموافق لليوم الخامس بعد المئة من المواجهات الدامية بين جماعة "فتح الإسلام" والجيش اللبناني؛ انتصر هذا الجيش على ظلم وظلامية "فتح الإسلام". وأعاد الجيشُ إلى لبنان هيبته وكرمته وأمنه، بعد أن تحصَّن الخفافيش من جماعة "فتح الإسلام" بين النساء والأطفال لمنع تحرير المخيم، ولإضعاف هيبة الأمن في البلد. وسقط زعيم الجماعة (شاكر العبسي) على طريقة سابقيه ممن تلحَّفوا برداء الإسلام وهم يمارسون قتل النفس التي حرَّم الله؛ ويحرِّضون الآخرين على اتباعهم في طريق التطرف، ليعيثوا في الأرض قتلاً وإرهاباً مستغلين بذلك ضيافة البلدان العربية -ومنها لبنان- وبدلاً من أن يحقق ذاك "العبسي" تطلعاته ووعوده في قتل الأميركيين والإسرائيليين المدنيين -كما أفتى بذلك في مارس 2007؛ نجده يوجه رصاصه وحقده ومدافعه إلى صدور شباب الجيش اللبناني؛ حيث أزهق 160 روحاً من خيرة شباب لبنان. سقط هؤلاء على أيدي المجرمين الذين لم يردعهم حسن الضيافة اللبنانية، ولا القرآن الكريم، ولا الأخوة العربية والإسلامية التي تحمل -ضمن ما تحمل في ثناياها- الالتزام بالقانون والتجمل بالحوار والسلام. ثم نحن ما شأننا إن كان (العبسي) قد لجأ إلى التطرف أو الإسلام المتطرف لأنه يشعر باليأس والإحباط -كما قال أخوه عشية مقتله- وإذا كان من يشعر بالإحباط أو الغبن أو اليأس سيلجأ إلى قتل الناس الآمنين والتآمر على الدولة؛ فإن هذا يصب في قانون الفوضى، وعدم الإدراك لحقيقة الأمل في الحياة. وإذا كان أتباع "العبسي" الفارون من المخيم قبل دخول الجيش يحملون نفس الذرائع التي ساقها؛ فإن الخوف كل الخوف أن يتسللوا من جديد إلى مخيم آخر من المخيمات الفلسطينية المنتشرة في لبنان. وهذا يشكل هاجساً جديداً؛ ونعتقد أن من الأهمية بمكان إعادة النظر في اتفاقية المخيمات المعقودة مع الحكومة اللبنانية منذ عقود طويلة. وإلا فإن هذا البلد الجميل لن يستقر ولن يهدأ؛ والحِراب توجه إليه من الداخل والخارج!؟ ومن الأهمية بمكان أن تدرك كل الدول العربية والإسلامية أبعاد استضافة أمثال "العبسي" وغيره بين ظهرانيها. لأن المؤمن بالقتل لا يمكن أن يقنِعه الحوار. ومن يدري فقط يتسللون إلى آبار النفط الآمنة أو ناطحات السحاب الجميلة!؟
لقد كان الجيش اللبناني هو الرقم الأجمل صباح يوم الاثنين الماضي، ولقد توحّد اللبنانيون إثر قضاء الجيش على تلك الفئة المجرمة المروِّجة للموت. ونحن نستغرب من حديث أحد القادة المسؤولين في الجيهة الشعبية- القيادة العامة، لإحدى الفضائيات مبرراً ما قامت به تلك الفئة المجرمة؛ دون أن يدين عملية استخدام المخيم لزرع الدمار والموت في لبنان. ونجده يطالب بمعاملة حسنة لسكان المخيم وأن الفلسطيني -في المخيم- يتطلع إلى العودة إلى وطنه. ونحن نقول: إذا كان الأمر كذلك؛ فعلى مَن داخل المخيم أن يتحمل ويخضع لشروط اتفاقية المخيمات؛ ولا نعتقد أن بلداً عربياً سوف يتحمل العبث بأمنه أو تعريض منشآته للخطر.
وفي الوقت الذي هنَّأ رئيس الوزراء اللبناني الجيشَ بعد حسمه المعركة مع "فتح الإسلام"؛ لم ينسَ بطولات الجنوب ومقاومة العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان. مؤكداً على أن الدولة هي الحامية والراعية والضامنة لأمن المواطنين وأمن الوطن. وأن حرب المخرِّبين في المخيم لم تكن ضد الفلسطينيين؛ بل كانت حرب اللبنانيين والفلسطينيين على الإرهاب.
يأتي انتصار الجيش اللبناني بعد أيام قلائل من مبادرة الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب، حول الاستحقاق الرئاسي؛ حيث اعتبر كثيرون أنها كانت إيجابية على صعيد تضميد جراح لبنان. وظهرت الصحف اللبنانية تحمل العديد من التصريحات والآراء المتباينة بشأن تلك المبادرة. ولقد رأت بعض المرجعيات اللبنانية ملاحظات مهمة في تلك المبادرة؛ منها:
- حسن نية الرئيس (بري) ومحاولة ترجمة ما كان قد وعد به من انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية.
- جمع "الموالاة" نتيجة اتصالات مكثفة؛ ويستحث المعارضة لطرح استفساراتها.
- خلو الاقتراح من أية آلية لمقاربته وإجراء النقاش حوله؛ ما يجعل السؤال مطروحاً: هل سيُناقش الاقتراح مع رئيس المجلس مباشرة أم مع أقطاب من المعارضة مجتمعين؟ أم سيوكل التنفيذ إلى وزير خارجية فرنسا؟ أم أن أمين الجامعة العربية سيعود مع وفد الجامعة؛ خصوصاً مع قرب يوم الاستحقاق الرئاسي -أقل من عشرين يوماً- وضرورة تحييد الأمر عن الخلاف السعودي- السوري وحال العداء بين سوريا و"الموالاة"!؟
- ظاهر الاقتراح إيجابي؛ حيث إن المعارضة لن تتمسك بتأليف حكومة وطنية أولاً قبل الاستحقاق الرئاسي؛ لكن سلبية الاقتراح تكمن في الشرط وهو الاتفاق على اسم رئيس الجمهورية؛ وعلى توافر ثلثي أصوات النواب في الدورة الأولى للجلسة الانتخابية؛ أي التقيد بالجزء الأول من المادة (49) من الدستور، وإهمال الجزء الثاني منها -أي في الدورة الثانية يُنتخب الرئيس بنصف أعضاء المجس + واحد، ("النهار" 3/9/2007).
في لبنان كل شيء غريب ومثير. تمشي في الشوارع لتجد لافتات تُدين المساس بالعلاقات اللبنانية- السعودية؛ خصوصاً بعد وصول تهديدات للسفير السعودي والسفير الإماراتي في بيروت. وهنالك لافتات أخرى دينية وصور لرموزها من الضاحية وحتى الجنوب؛ ولافتات أخرى تمجِّد الجيش وتفديه بالأرواح. المنظمات الشبابية والطلابية في قوى "14 آذار" تؤكد أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون من (قوى 14 آذار) كي يُصحح الخلل الذي نتج عن الوجود السوري في لبنان. مطالبين بأن يكون لبنان دولة لا سلاح فيها إلا سلاح القوى الشرعية اللبنانية؛ دولة لها حدود واضحة؛ لا حدود سائبة يتقاطر عبرها الإرهابيون!؟
رئيس الجمهورية (إميل لحود) هنَّأ الجيش في انتصاره على "فتح الإسلام"؛ وكذا فعل رئيس مجلس النواب؛ كما اتصل رئيس كتلة المستقبل (سعد الحريري) بوزير الداخلية وقائد الجيش مهنئاً بـ"الانتهاء من ظاهرة عصابة العبسي التي أراد لها أربابها التستر باسم الدين الإسلامي الحنيف وهو منها براء، لضرب استقرار لبنان وزرع الفتنه بين أبنائه".
تم التخلص من عصابة "فتح الإسلام"؛ وهنالك ملفات جديدة مستحقة. هل سيبقى لبنان ملجأ لكل فاشل أو مُحبط أو يائس؟ هل تجوز "استباحة" حدود لبنان وتصدير المخربين لهذا البلد؟ ما هو الدور الأميركي في لبنان؟ هل سيتوافقون على الرئيس الجديد؟ هل سيضم أفراد "حزب الله" إلى الجيش اللبناني ويرفع السلاح من الضاحية والجنوب والبقاع؟ هل سيتم التمثيل الدبلوماسي مع سوريا وتنهى شعرة (مزارع شبعا)؟ وأخيراً هل سيجتمع اللبنانيون على تقبيل وجه لبنان الجميل؟