عادت قضية الاستنساخ البشري إلى احتلال الصفحات الأولى لوسائل الإعلام العالمية بجميع أنواعها. ويعود السبب في هذه التغطية الإعلامية المكثفة الحالية، وفي احتدام الجدل والنقاش مرة أخرى، إلى إعلان مجموعة من العلماء في كوريا الجنوبية في نهاية الأسبوع الماضي، عن نجاحهم في استنساخ ثلاثين جنينا بشريا. وكانت المجموعة بقيادة البروفيسور (Hwang Yoon-Young)، قد أجرت بحوثها في الجامعة الوطنية بمدينة سيئول عاصمة كوريا الجنوبية. وعلى رغم أن الماضي حمل الكثير من الادعاءات السابقة بالنجاح في استنساخ البشر، وهي الادعاءات التي كان معظمها يحيط به الكثير من الشكوك، إلا أنه لم يسبق أن نجحت، (أو حتى ادعت)، أية مجموعة علمية من قبل في استنساخ هذا العدد الهائل، أو في الوصول بالأجنة الناتجة إلى مثل تلك المرحلة المتقدمة من النمو. فالمجموعة الكورية استخدمت 242 بويضة، تم أخذها من ستة عشرة امرأة متطوعة. وفي الحالات جميعها، تم نقل نواة خلية جسدية من المرأة المتبرعة نفسها إلى داخل البويضة، والتي كان قد تم نزع نواتها سابقاً. وبعد أن تمت عملية نقل نواة الخلية الجسدية (والمحتوية على المادة الوراثية)، بدأت البويضة في النمو والانقسام كما يحدث في عمليات الحمل الطبيعية، ولكن بفارق واحد هو أن الجنين الناتج كان متطابقاً وراثياً تماماً مع التركيبة الوراثية للمرأة المتبرعة. وهو عكس ما يحدث في الطبيعة، حيث دائماً ما يكون الجنين الناتج من عمليات الإخصاب الطبيعية بين الحيوان المنوي والبويضة، خليطاً من التركيبة الوراثية لكلا الأبوين.
وعلى رغم أن هذا السيناريو لا يختلف عن جميع عمليات الاستنساخ التي تمت منذ استنساخ النعجة (دولي)، إلا أن بحوث المجموعة الكورية شهدت اختراقين مهمين لم يسبقها أحد إليهما من قبل. الاختراق الأول هو العدد الهائل بكل المقاييس للأجنة التي بقيت على قيد الحياة، أما الاختراق الثاني والأهم فهو المرحلة التطورية أو العمرية التي وصلت إليها تلك الأجنة البشرية في نموها. فحسب ما نشر على موقع الإنترنت الخاص بالمجلة العلمية المرموقة (Science)، وحسب ما ذكر في مؤتمر الجمعية الأميركية لتطوير العلوم وهي إحدى أشهر المنظمات العلمية في الولايات المتحدة، تمكن الكوريون من الوصول بالأجنة إلى مرحلة متقدمة من النمو والمعروفة بمرحلة البلاستوسيست
(Blastocyst)، وهي المرحلة التي يمكن خلالها حصد الخلايا الجذعية. وحسب مزاعم الكوريين، كان الهدف من تلك التجربة هو تطوير أساليب الاستنساخ العلاجي باستخدام الخلايا الجذعية، وليس الوصول إلى الاستنساخ الإنجابي.
ويجب هنا أن نفرق بين الاستنساخ بنوعيه، الإنجابي والعلاجي. في النوع الأول أو الاستنساخ الإنجابي، يتم استنساخ الإنسان بكامله بجميع مكوناته الوراثية والجينية، ويتوقع أن ينتج عن مثل هذا النوع إنسان كامل متكامل. ومن غير المعروف للكثيرين أن الاستنساخ عملية تمارسها الطبيعة منذ ملايين السنين وفي الكثير من الحيوانات والنباتات وحتى بني البشر، ويطلق على هذه العملية الطبيعية (التوأمة المتشابهة). فالتوائم المتشابهة عبارة عن نسخ وراثية طبق الأصل من بعضها بعضا، والسبب في ذلك هو أن المادة الوراثية للجنين الأول تم نسخها وانفصالها لتكوين الجنين الثاني أو الثالث... وإن كان في التوأمة الطبيعية يكون الأصل وجميع النسخ في مرحلة الجنين وقت عملية النسخ، بينما عمليات الاستنساخ في المعامل تتم من جنين إلى جنين آخر أو من حيوان بالغ إلى جنين. ويمكن للاستنساخ الإنجابي أن يوفر حلاً للأزواج المصابين بالعقم التام، حيث يمكن استنساخ الزوج أو الزوجة كليهما، وبالتالي لا يحرم مثل هؤلاء الأشخاص من التمتع بتنشئة أطفالهم وتكوين عائلة. أما النوع الثاني أو الاستنساخ العلاجي، فيمكن من خلاله استنساخ عضو واحد أو أكثر حسب الطلب. وبالتالي تصبح خلايانا مصدر قطع غيار لا ينضب لأعضائنا، نستخدمه في حالة فشل الأعضاء أو عندما تصبح زراعة عضو جديد هي البديل الوحيد للبقاء على قيد الحياة. وتتميز هذه الفكرة بأن الأعضاء التي سيتم استنساخها وقت اللزوم ستكون متطابقة وراثياً مع أجسادنا، مما يوفر حلاً لمشكلة عدم التطابق الوراثي للأعضاء المنقولة، والذي يتطلب أن يتعاطى المريض أدوية مثبطة لجهاز المناعة، تفادياً لقيام الجسم بمهاجمة وتدمير العضو الجديد. هذا بالإضافة إلى أن توفر تلك الأعضاء وبأية كمية مطلوبة يعتبر ميزة لا تقدر بثمن، في زمن ازداد الطلب فيه بشدة على الأعضاء البشرية المتبرع بها وندر المتوفر منها.
ويعتمد الاستنساخ العلاجي على القدرة الخارقة للخلايا الجذعية (أو الخلايا الأم إن صح التعبير)، والتي تقسم إلى ثلاثة أنواع مختلفة الإمكانيات والقدرات. النوع الأول والقادر على تشكيل كائن حي بالكامل من البداية إلى النهاية، بجميع أنسجته وأعضائه وأجهزته. والنوع الثاني من الخلايا الجذعية لا يمكنه إنتاج جنين كامل، وإن كان في مقدوره أن يصبح أي نوع كان من الأنسجة، مثل الأنسجة العصبية أو العضلية