الجهود التبشيرية وأهدافها
في عام 1935 وقف القس صموئيل زومير رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر المبشرين الذي عقد في القدس قائلاً: "أيها الإخوان، إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد، إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بإلهه ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الغرب، لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهوات وإذا جمع فللشهوات وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، يجود بكل شيء. إن مهمتكم تتم على أكمل وجه فاستمروا في أداء رسالتكم". بهذه الكلمات لخص لنا القس زومير هدف التنصير الذي يوجه حملته ضد العالم العربي والإسلامي، والدور الذي يسعى إليه المنصّرون من خلال الجهود التي تبذلها الحركات التبشيرية، إزاء الأفراد والمؤسسات والجمعيات والشركات والمعاهد الثقافية والمدارس والمستشفيات الأجنبية التي تنتشر في العالم الإسلامي تحت أغطية مختلفة، كلها تعمل تحت هدف واحد: تحريف العقيدة الإسلامية وإدخال المسلمين في دوامة الفكر التبشيري حتى ينصهروا في ثقافة الغرب وفق سياسته التي يريدها أصحاب الفكر الاستعماري.
ووفق هذا الهدف، تتحرك "الآلة" التنصيرية في أنحاء عديدة من الوطن العربي والإسلامي محاولة تمزيقه. إننا حقيقة نتعرض لحملة تبشيرية منظمة وخطيرة تتحرك بدافع الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يمارسها الغرب الآن، لذلك يجب أن ننتبه لها جيداً ونعمل على مواجهتها بتحصين الهوية والذات الثقافية.
هناك اعتراف صريح لهذه الحملة ليس فقط من خلال الخطط والاستراتيجيات والمؤتمرات التي كان آخرها مؤتمر عقد يوم 5/3/2007 في مدينة بتسبيرج في ولاية فلوريدا الأميركية تحت عنوان "القمة الإسلامية الإصلاحية"، وهو مؤتمر يهدف إلى علمنة الإسلام وإعادة تفسير القرآن حسب المنظور الغربي، بحيث تصبح العلمنة هي نمط التفكير القادم للمسلم. بل هناك اعترافاً صريحاً من بعض القساوسة حين يقولون: "نحن نقوم بالتبشير في البلدان الإسلامية ونمتلك آلية خاصة للتبشير، ولدينا مبشرون في أنحاء آسيا وأفريقيا وخمس جامعات كاثوليكية في اليابان".
ولنوضح أهداف حملة التبشير الموجهة نحو المسلمين، يمكن أن نشير إلى الفكرة التي طرحها أحد رؤساء الطائفة الإنجيلية في بلد عربي حين قال: "بدل أن نحاول تغيير دين آخرين من خارج الديانة المسيحية عن طريق الإغراءات المادية والخدمية، كان من الأفضل أن نركز على المسيحيين الذين لا يذهبون إلى الكنيسة للصلاة والذين تبلغ نسبتهم 80%، هؤلاء أولى بهذه الجهود حتى لا ينحرفوا".
إن خطورة التنصير الذي يجري الآن على قدم وساق على النسيج الوطني للبلدان العربية، يمكن استشعارها من المطالبة التي طرحها مؤتمرُ مسيحيي العراق بإقليم مسيحي مستقل لهم. كذلك حذرت وزارة الخارجية المصرية في خطاب أرسلته إلى الأزهر الشريف من انتشار عمليات التنصير بين المسلمين في العديد من الدول الأفريقية.
وقد كشف تقرير نشرته صحيفة "فيلت إم زونتاج" الألمانية، تحت عنوان "مليون ضد محمد"، أن الفاتيكان خصص أموالاً كثيرة لتفعيل نشاط منظمة "رابطة الرهبان لنشر الإنجيل" بهدف وقف انتشار الإسلام حول العالم وتنصير أكبر عدد ممكن من المسلمين. وحسب ما أشارت إليه تقارير إخبارية، فإن "مجلس الكنائس العالمي" الذي يتخذ من أميركا مقراً له، خصص في مؤتمره لشهر نوفمبر من العام الماضي 25 مليون دولار لتنصير المسلمين في مختلف أنحاء العالم، ووضع في أولوية اهتماماته دول الصراعات والفقر، وعلى رأسها العراق وفلسطين والسودان ومصر والصومال والهند وأفغانستان. السؤال المهم هنا: هل أدركنا خطورة ذلك المخطط؟ وهل خططنا لمواجهته؟ وهل هناك استراتيجية واضحة للتعامل مع جهود التبشير والتنصير في العالم الإسلامي؟