أي ضجة وزوبعة هذه التي يمكن لرقم واحد فحسب أن يحدثها على المستوى العالمي؟! حسبما تفيد الأنباء، فقد انخفضت نسبة "الألماس الدموي" أو ما يعرف بـ"ألماس النزاعات"، إلى ما دون الواحد في المئة فحسب، بين كافة أحجار الألماس المتداولة في الأسواق العالمية اليوم. ويبدو هذا الرقم مفاجئاً ومثيراً للدهشة، بالنظر إلى كل ذلك الجهد الإقليمي والدولي الذي بذل في مكافحة "ألماس النزاعات" منذ عرض "الألماس الدموي" خلال هذا الشهر. وفيما لو صحت هذه الأنباء والنسبة، فإن ذلك لا يعني شيئاً آخر سوى أن 99 في المئة من الألماس المتداول عالمياً، أصبح خالياً من المنتج النزاعي منه. وعندها يكون سطلاً من الماء البارد قد دلق على حركة مكافحة ألماس النزاعات، وعلى أنشطتها الإقليمية والعالمية. ومما لاشك فيه أن صناعة الألماس سوف تعجب أيما إعجاب بهذا الرقم الضئيل، بقدر ما تسر حركة مكافحة ألماس النزاعات، بوقوف جهود هوليود السينمائية العملاقة إلى جانبها، ومدها بالطاقة والعزم على تحقيق أهداف تراها الحركة ذات طبيعة اجتماعية في الأساس. هذا وقد نقل عن "إدوارد إزفيتش"، مخرج فيلم "الألماس الدموي" تعليقه على النسبة المعلنة، واصفاً إياها بعدم اللياقة، لكونها لا تلامس سعة المعضلة ولا جوهرها. وكان "إزفيتش" قد أراد لفيلمه أن يكون أداة رافعة وفاعلة في تحذير مستهلكي الألماس العالميين من ارتباط هذه الأحجار الكريمة بنشاط الجيوش والقوات المتمردة، المتورطة في مختلف النزاعات الإفريقية في مناطق الإنتاج. كما قصد "إزفيتش" أن يكون فيلمه رداً على مزاعم زميله "راسل سايمونز" القائلة إن في صناعة الألماس الرائجة والمزدهرة حالياً، ما يخدم مصالح اقتصادات الدول الإفريقية. ونقرأ في هذه الفكرة الأخيرة، أصداء الرسالة الشهيرة التي وجهها الزعيم نيلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا السابق، إلى "إزفيتش"، محذراً إياه من أن يلحق فيلمه ضرراً بالغاً بمبيعات الألماس العالمية، إلى جانب مساهمته في زعزعة استقرار الدول المنتجة والمصدرة للألماس. يذكر أن هذا الفيلم الذي بلغت مبيعات تذاكره، ما يزيد على 25 مليون دولار، يأتي في أعقاب ذيوع أغنية الفنان "كاني ويست" الشهيرة "ألماسات من سيراليون"، وأنه سيعرض اليوم السبت. كما يتوقع عرض فيلم وثائقي آخر هو "بلينغ" في وقت مبكر من بدايات العام المقبل، ويشارك فيه عدد من الفنانين والنجوم الأميركيين الذين ذهبوا في رحلة إلى سيراليون للفت الانتباه العالمي للنزاعات المتصلة بإنتاج الألماس هناك. غير أن ما يثير السخرية أن ألماس النزاعات، أصبح أكثر ندرة مما كان عليه قبل سنوات فحسب من اليوم. وحينها كانت سيراليون تعج بالمتمردين الذين يسرقون لقمة المواطنين المدنيين من أفواههم، ليواصلوا حربهم التي يمولونها من تعدين الألماس والاتجار به. ومثار السخرية أنه لا هوليود ولا نجومها، قد التفتا إلى الدماء التي سالت بسبب هذه الحرب الطاحنة في سيراليون، ولم يعرها أي منهما اهتماماً أو يطرق على حديدها وهو لم يزل حامياً بعد! وذلك هو ما أكده "روري أندرسون"، أحد خبراء مكافحة "ألماس النزاعات" بقوله: "بالعودة إلى عامي 2000 و2001، يمكن القول إن حركتنا كانت معزولة ووحيدة نوعاً ما". أما اليوم، فتنعم سيراليون بالأمن والسلام، منذ انتهاء النزاعات والحرب الأهلية في عام 2002. لكن وعلى رغم كل ذلك، فلا يزال ممكناً استخدام هذا النشاط المحموم المعادي لـ"ألماس النزاعات" في معركة كسب العقول والقلوب. وفي حين لا يصل ناشطو هذه الحركة إلى حد الدعوة والمطالبة بمقاطعة منتجات الألماس، إلا أنهم يطالبون تجار التجزئة المستثمرين في هذه الصناعة وكذلك العملاء والمستهلكين، بتشديد استفساراتهم وتحققهم من مصادر الألماس الذي يتعاملون معه. ولكن كيف السبيل الآن لإشعال فتيل الوعي هذا، وقد انخفضت نسبة الألماس النزاعات، إلى ما دون الواحد في المئة فحسب الآن؟ وهذا ما ترد عليه مجموعة "جلوبال ويتنس" وهي المنظمة البريطانية الناشطة في مجال مكافحة "ألماس النزاعات"، فضلاً عن كونها المبادرة إلى لفت الانتباه العالمي لهذه المشكلة منذ عام 1998، بقولها: "إن هذا النوع من الألماس، هو جزء من مشكلة تداول أحجار كريمة أخرى، يجري تهريبها وتعدينها من مناطق يساء فيها استخدام العمالة اليدوية في أنحاء شتى من العالم. وإذا ما وضعنا كل هذه الممارسات مع بعضها بعضاً، فإن النسبة المعلنة إنما تعادل في الواقع، ما يمكن تقديره بنحو 20 في المئة. ومن هنا تستمد المنظمة عزمها على مواصلة مكافحتها لهذا النوع من الألماس النزاعي وما شابهه". ليني ديوك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"