صدام اعتبر ما فعله صحيحا ولو كانت مقابر جماعية. والقرآن يقص خبر أفظع أنواع الكذب حينما يكذب الإنسان على نفسه "انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون؟" وفرعون رأى تسع آيات بينات فلم يؤمن حتى أدركه الغرق فقال آمنت. وفي علم النفس تجانس بين النهي والنأي "وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون" وما يقودنا هو اللاوعي ويشكل 95% من الخبرات والعواطف والعقد ونحن لا نشعر. والوعي لا يزيد عن 5% ويشبه ضوء المنار على سطح بحر لجي من اللاشعور. والإنسان لا يرى بعينيه أو يسمع بأذنيه بل يرى ويسمع بدماغه. فرب مُبَلّغ أوعى من سامع. والآيات لا يعقلها إلا العالمون. والأفكار لا تستوعبها إلا أذن واعية. والطبيب حينما يزور مدينة جديدة يلفت نظره عناوين الأطباء تحت ضغط الوعي الانتقائي. وفي كثير من الأحيان يبحث الإنسان عن المفتاح وهو في يده. ومن استمرأ الجهالة فزار الغرب ظن أنه ماخور. والغرب فيه كل شيء. فكما يحوي أي منزل المطبخ وغرفة الاستقبال ودورة المياه كذلك الغرب ففيه المخبر والماخور والمؤسسة العلمية والمصرف المالي لمن يريد. ولكل وجهة هو موليها. ومن كانت هجرته إلى مومس فسوف يجدها في مطار فرانكفورت. ومن كان سفره إلى معرض الكتاب في هانوفر فسوف يجتمع بألف ناشر لمائة ألف كتاب. ومن بحث عن الصالحين وجدهم.
وخطر في بالي مشروع الأحاديث الحيوية فننتقي مجموعة تناسب وضعنا كما فعل النووي في الأربعين النووية نعيد به الحركة إلى مفاصل الفكر الكسيحة عندنا. ولكن أحدهم انبرى فقال عنه إنه مشروع محكوم بالإعدام. وهو وضع رأسه على المقصلة بدون حكم إعدام ولن يستفيد مما أكتب. والمشكلة أن الكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تعرف قيسا. وفي يوم كتب الدكتور فايز المط كتابا جميلا جمعه من أحاديث شتى لفائدة الناس فأفاد وجعله في سجل حسناته. والرجل استفدنا من علمه مرتين في تعليمنا التشريح والحديث. وكتب الحديث كهف كبير مملوء بالكنوز لمن أراد الاستفادة من خاماته. ولكن من يدخل الكهف بدون نور فهو كحاطب بليل لا يعرف هل احتطب عودا أو وضع في سلته أفعى. والقرآن أو الحديث أو أي مرجع على المرء أن يستفيد مما ورد فيه كمستودع للحكمة بغض النظر عمن قاله. والمسيح كان يقول للحواريين معلما إياهم. ما يقوله لكم الفريسيون فافعلوه ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يحبون المتكأ الأول في المجالس والولائم وأن يناديهم الناس في الأسواق سيدي سيدي ولعلة يطيلون صلواتهم ويعرضون عصائب عمائمهم. والويل لهم يوم الدينونة. والحديث منجم يشبه الصيدلية الزاخرة بالأدوية يستفيد منه الطبيب حسب علمه. وأما الجاهل فقد يأخذ الأسبرين فيعطيه لمريض مصاب بقرحة معدة فتنثقب وينزف فيموت. وهناك من لقب نفسه (دمدم) عاب علي مشروعي وأقسم أنني ما فرزت أربعين حديثا حيا إلا وأخرج مثله ميتا. وسبحان من يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون. ولم تنقصه الفصاحة ولا قوة الأسلوب المشرق والحجة. فهو يرى أنني أخبز من الحديث شيئا للتنوير ويخرج منها بن لادن شيئا للتكفير. وأن المسعى في هذا الاتجاه ضلال. والنصوص مدعاة للخلاف أكثر من الاتفاق. وهذا نصف الحقيقة. ومارتن لوثر خرج من رحم التقليد فأنار الكنيسة بفكر جديد حين دعا إلى الإصلاح. وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله. ونحن نجتهد ونقول وللناس عقول. وعندما نستخرج كنوزا رائعة من التراث تصبح عملية التغيير أسهل. لأنه كما يقول الفيلسوف ديكارت: لا تهدم بيت أحد ولكن ابن له ما هو خير منه ثم ادعه إلى البيت الجديد فلن يعود للقديم. والهدم سهل والبناء تحدي والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وهناك آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فالراسخون في العلم يعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. ونحن من أمة توقف فيها العقل وعطشت في صحراء قاتلة فوجب السقاية والعناية برفق كما نفعل مع المريض وإلا قتلناه. وأقرب الأشياء للإنسان ثلاث اسمه ولغته ودينه فوجب أن ندخل عليه من هذا المفتاح. ولن تستيقظ الأمة بخطاب من البيان الشيوعي أو موعظة من لاوتسي أو فقرة من الكتاب الأحمر لما وتسي تونغ أو نصاً من الكتاب الأخضر للقذافي بل من تراثها فهو خميرة التحريك والذاكرة العميقة المحرضة. وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون.