شركات الوساطة المالية... البقاء للأفضل
في إطار مشروع لتطوير النظام الخاص بشركات الوساطة المالية بهدف رفع معايير الأداء المهني بما يتماشى مع المستجدات التي طرأت على أسواق الأسهم المحلية، تدرس "هيئة الأوراق المالية والسلع" رفع الحد الأدنى لرأسمال شركات الوساطة المالية إلى 30 مليون درهم، مع زيادة الحد الأدنى للضمان البنكي إلى 20 مليون درهم. وفي حال اتخاذ قرار بهذا الصدد يتوقع أن يتم إعطاء الشركات القائمة حالياً فترة زمنية مناسبة لتوفيق أوضاعها. من خلال هذه الخطوة بدا واضحاً أن الهيئة بدأت تهتم بجانب الكيف في عمل شركات الوساطة، الأمر الذي قد يقتضي حدوث اندماج بين الشركات الصغيرة أو عمليات استحواذ بين هذه الشركات التي يزيد عددها على 80 شركة وساطة تعمل في السوق حالياً، وهو ما يقارب مجموع الشركات المدرجة للتداول في السوق المحلية.
يتطلب تطوير السوق خلال المرحلة المقبلة ضرورة وجود وساطة مالية ذات كفاءة عالية. ففي ظل سوق تحكمها تحالفات كبيرة من المضاربين، وغياب الشفافية، إلى حد كبير، لابد من إيجاد جهات محايدة تعمل على تقييم الأسعار الحقيقية والعادلة لأسهم الشركات، وتحسين نوعية المعلومات عن هذه السوق. ورغم هذا التطور العددي الكبير في أعمال الوساطة المالية، فإن تدني كفاءة الوساطة في أسواق الأسهم ظلت أحد أكبر التحديات التي واجهت هذه الأسواق طوال الفترة الماضية. فالخدمات التي يقدّمها الوسطاء لا تتعدى مجرد "نصائح" تكون في كثير من الحالات إما ترديداً للشائعات، وإما ما يفيدها وكبار عملائها، بل إن الاستشارات العلمية والتحاليل المالية التي يقدِّمها بعض الوسطاء لم تعد تلبّي احتياجات المستثمرين بشكل جيد، كما لم تعد قادرة على الابتكار والمنافسة والتجاوب السريع مع المتغيرات، كما أن التطوّرات الحديثة التي شهدتها أنظمة التداول الإلكتروني في السوق المحلية تحتّم تنظيم نشاط السمسرة ورفع كفاءة العاملين فيها وتحسين خدماتها وإعادة النظر في مهام الوسطاء وتحديث وتنويع اختصاصاتهم. في ظل هذا الوضع، يطالب العديد من الخبراء والمستثمرين بضرورة تحويل مكاتب الوساطة إلى شركات مساهمة، لرفع مستوى كفاءة الوسطاء بالأسواق المالية سواء جهة الخبرة والشهادات العلمية المطلوبة لممارسة المهنة أو التخصّصات العلمية المطلوبة كالإدارة والاقتصاد والمحاسبة والتحليل المالي، بينما يطالب فريق آخر من المتخصصين بضرورة تحرير نشاط السمسرة والترخيص لشركات السمسرة الأجنبية ذات الكفاءة العالية بالدخول إلى السوق، حيث إن المنافسة كفيلة برفع كفاءة خدمة الوساطة المالية ومستوى الأداء لدى شركات السمسرة بشكل عام.
رغم أن هناك عدداً من طلبات تأسيس شركات الوساطة الجديدة المقدّمة لـ"هيئة الأوراق المالية" للبتّ بشأنها، يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة "غربلة" كبيرة لجميع شركات الوساطة العاملة في السوق حالياً، يكون البقاء فيها للأفضل، في إطار الإجراءات والمعايير المالية والفنية التي ينتظر أن تصدرها الهيئة خلال الفترة المقبلة، وفي ظل الركود الذي تمر به السوق حالياً، تماماً كما حدث في أعقاب أزمة 1998 حيث تضخّم العدد في ذروة النشاط المحموم للسوق آنذاك من 7 مكاتب للوساطة المالية إلى 45 مكتباً ثم ما لبث أن تقلص تدريجياً إلى 14 مكتباً تقريباً، ينتمي نصفها تقريباً للمصارف، بعد أن أغلق بعضها أبوابه تحت وطأة الخسائر التي خلفتها تلك الأزمة، بينما اندمج البعض الآخر مع مكاتب أكبر حجماً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.