توجهات الصحافة المحلية (2-2)
استكمالا لحديث الأمس عن النتائج التي كشفت عنها دراسة تحليل مضمون الصحافة المحلية خلال شهر سبتمبر، ذكرت الدراسة أيضاً أن القضايا والموضوعات المحلية لم تشغل سوى 20% من إجمالي الموضوعات والقضايا التي تناولتها أعمدة الرأي والمقالات المنشورة بالصحف المحلية خلال فترة الدراسة. وإذا كان البعض يرى أن هذه النسبة مرتفعة نسبياً مقارنة بمثيلتها في الصحافة الغربية، فإن من الضروري الانتباه إلى أن طبيعة جمهور الوسيلة الإعلامية هو العنصر الحاكم في هذه الجزئية، فالصحافة الغربية التي تتوجه إلى جمهور معولم نسبياً وتنتشر جغرافياً وتقنياً في معظم دول العالم تختلف بطبيعة الحال عن صحافتنا التي يتركز توزيعها وانتشارها في الإطارين المحلي والإقليمي، وبالتالي قد يكون من غير المنطقي أن تتراجع فيها التحليلات والتعليقات والآراء حول قضايا محلية إلى حد يقل عن 25% من إجمالي مادة الرأي المنشورة خلال فترة الدراسة.
وما يلفت الانتباه أيضا تراتبية الموضوعات والقضايا مثار اهتمام الصحافة المحلية، حيث احتل موضوع التعليم المرتبة الأولى من حيث نسبة التناول في المقالات وأعمدة الرأي، بينما جاءت قضايا القطاع الصحي في المرتبة الثانية بنسبة 17% أما قضايا السكان والعمل والعمال والبطالة والتوطين فاستأثرت بنحو 15% من المقالات والأعمدة، والغريب أن موضوعات التنمية والاستثمار لم تستحوذ سوى على نحو 5% من إجمالي المقالات والأعمدة الصحفية فترة الدراسة! أما موضوع انتخابات المجلس الوطني الاتحادي فلم يحظَ سوى بنسبة 4.5% من إجمالي ما نشر بالأعمدة والمقالات خلال فترة الدراسة. وربما يكون السبب في ذلك أن الحملة الإعلامية الخاصة بالانتخابات لم تكن قد أطلقت بعد خلال شهر سبتمبر الماضي، ولذا يبدو واضحاً أن هناك تنامياً نسبياً في الاهتمام بهذا التطور السياسي الفارق في تاريخ دولة الإمارات، حيث تزايد بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة كم المقالات وأعمدة الرأي المنشورة حول موضوع الانتخابات.
التعليم إذاً - بحسب نتائج الدراسة- هو محور اهتمام المجتمع، وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي يعكس حجم الاهتمام بالحراك الحاصل بشأن تطوير التعليم، ولكن ما يقلل نسبياً من القيمة النوعية لهذا المؤشر أن معظم النقاشات التي تناولت قضايا التعليم ركزت فقط على المشكلات والعقبات التي تواجه خطط التطوير فضلاً عن الشكوك والمخاوف التي تحيط بهذه الخطط.
بعيداً عن لغة الأرقام والإحصاءات فإن الملاحظ أن هناك ارتفاعاً نسبياً في سقف النقد والحريات، ولكن المشكلة مازالت تكمن في تكرار زوايا المعالجة التقليدية وغياب التفاعل والتأثير المتبادل بين الكتاب والصحفيين من جهة، والمسؤولين والجهات الحكومية من جهة ثانية، حيث يستشعر المراقب للشأن المحلي أن هناك غياباً نسبياً لردود الفعل العكسية أو ما يعرف بالتغذية المرتدة، حيث يجري الحديث في معظم الأحوال من طرف واحد ونادراً ما تنشر الصحف توضيحاً أو رداً أو تعليقاً على نقد ينشر في الصحف المحلية، كما يرى بعضهم أن كثيراً مما يكتب أو ينشر في الصحف لم يزل يبدو غير مؤثر بسبب غياب التفاعل من جانب المعنيين.
الموضوع المشار إليه يحتاج إلى دراسة أكثر شمولاً وتوسعاً للتعرف إلى تفاصيل دقيقة حول توجهات الصحافة المحلية وأولويات الاهتمام بالقضايا الخارجية للتعرف إلى طبيعة العلاقات الحاكمة التي تربط بين جنسيات الصحفيين الوافدين ومعدلات الاهتمام بتغطية قضايا معينة، ولكنها بشكل عام تلفت الانتباه إلى قضايا ونقاط مهمة تستحق التوقف عندها أبرزها بالطبع قصور الاهتمام بالشأن المحلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.