الشرائح الرقمية في جوازات السفر... وخطر السطو على البيانات الشخصية
إذا كان لديك جواز سفر بالفعل، فإن الوقت الحالي هو الأنسب لتغييره. وإذا لم تكن قد استخرجت جوازاً من قبل -وهو شيء نادر- وكنت تعتقد أنك بحاجة إلى جواز الآن، فإن النصيحة التي نقدمها لك هي أن تقوم باستخراجه الآن. لكن ما السبب؟ السبب هو أن جوازات السفر في الولايات المتحدة، وربما في دول أخرى غيرها سيتم تزويدها بما يعرف بشرائح التعرف على الشخصية من خلال الذبذبات اللاسلكية والتي تسمى باللغة الإنجليزية Radio Frequency Identification ويرمز إليها بالرمز(RFID). وهذه الشرائح تقوم بتخزين نسخة أخرى من الجواز تحتوي على معلومات مثل اسم الشخص، وبياناته الشخصية الأخرى، ومكان سكنه، وكل التفاصيل الأخرى المكتوبة في الجواز الأصلي، بالإضافة إلى صورة رقمية. ويقول الخبراء إن الأمر لن يقف عند هذا الحد، وإن تلك الشرائح سيتم تطويرها مستقبلاً بحيث تتسع أيضاً لبصمات أصابع الشخص وتأشيرات الدخول الرقمية، التي يحصل عليها من الدول المختلفة.
هذا في حد ذاته لا يمثل مشكلة، فطالما لم يتم توصيل تلك الشرائح بجهاز قارئ Reader، فليس هناك أي خطورة من تسربها. فمثلها مثل الشرائح الموجودة في بطاقات الدخول التي نضعها أمام جهاز قارئ يقرأ بياناتها فيقوم بفتح الباب لنا للدخول لمكان معين. ومثلها أيضاً مثل الشرائح الإليكترونية الموجودة في بطاقات تحصيل رسوم الطريق التي يتم استخدامها عند البوابات الموجودة في الطرق الدولية الواصلة بين المدن، وتلك التي تربط بين الدول، أي أن هذه البطاقات لا تعمل إلا عند الاقتراب من جهاز قارئ. المشكلة تبدأ عندما تكون هناك محاولات خفية أو سرية لا يدري عنها الشخص شيئاً، تحاول معرفة أو تسجيل البيانات والمعلومات الموجودة في تلك البطاقات، من دون علم الشخص، ومن دون موافقته بواسطة دولة أجنبية تحاول تعقب خطواته، أو بواسطة مجرم أو عصابة إجرامية تحاول انتحال شخصيته، أو حتى بواسطة شخص فضولي يريد أن يعرف جنسيته فقط دون أي نية للأذى.
وعلى الرغم من أن مصادر وزارة الخارجية الأميركية، قد هونت في البداية من المخاوف المتعلقة باستخدام تلك الشرائح، فإنها، واستجابة للنقد الموجه إلى هذا النظام من عدد من الخبراء، قامت بإضافة بعض الخصائص الأمنية التي تجعل استخدام البطاقات المزودة بتلك الشرائح أكثر أماناً، وذلك كتزويد الجواز نفسه بغطاء واقٍ لحمايته بحيث يصبح بالصعب بالنسبة لأي شخص أن يتمكن من قراءة بيانات الجواز أو معرفة بياناته، إذا ما كان الجواز نفسه مطوياً. كما استنبط الخبراء وسائل للتحكم في الوصول إلى معلومات تلك البطاقات والجوازات، ووسائل آلية للتحكم في عملية الترميز بحيث يصبح من الصعوبة بمكان على أي جهاز قارئ غير مرخص، أن يفهم البيانات والرموز المسجلة عل تلك البطاقة أو حتى يقوم بتغييرها.
وعلى الرغم من أن تلك الإجراءات مفيدة، فإنها تظل قاصرة عن توفير الأمان الكامل في استخدام البطاقات والجوازات المزودة بهذه الشرائح. فعملية توفير غطاءٍ واقٍ لحماية الجواز من القراءة، لا تجدي نفعاً عندما يكون هذا الجواز مفتوحاً. ومن المعروف أن الشخص عندما يسافر إلى دولة أجنبية أو عدة دول، فإنه يضطر مراراً وتكراراً إلى فتح الجواز سواء عند حجز تذاكر السفر، أو عند حجز غرفة في فندق، أو عند سحبه لنقود من البنوك، أو حتى عند تردده على مقاهي الإنترنت وغير ذلك. ففي هذه الأماكن يمكن لأي شخص لديه الرغبة -بصرف النظر عن الأسباب التي تدعوه لذلك- أن يقوم بتركيب جهاز قارئ بالقرب من المكان الذي يتم فتح الجواز عنده. وعلى الرغم من أن مصادر وزارة الخارجية الأميركية تقول إن أي جهاز قارئ لا يستطيع قراءة هذه البيانات إلا إذا كان الجواز على بعد سنتيمترات قليلة من الجهاز القارئ، وهي مسافة لا يمكن أن يتمكن أحد من وضع جهاز قارئ بها، دون أن يتمكن صاحب الجواز أو البطاقة من رؤيته، فإن الخبراء يقولون إن هناك تجارب عملية قد أجريت بالفعل في هذا الشأن، وتبين منها أن هناك أجهزة قارئة يمكنها قراءة بيانات تلك الشرائح من على بعد عدة أقدام وليس سنتيمترات كما تقول مصادر وزارة الخارجية الأميركية.
والإجراءات الأمنية الأخرى معرضه للانكشاف أيضاً بدليل أن العديد من الباحثين في المجال الأمني اكتشفوا أخطاء بها. فأحد هؤلاء الخبراء على سبيل المثال اكتشف أنه يستطيع الاطلاع على البيانات المسجلة في الشرائح الخاصة بالأفراد من خلال خصائص فريدة تتميز بها عمليات البث اللاسلكي. وهناك آخر استنسخ شريحة إليكترونية مثل تلك التي يتم وضعها في الجواز. على الرغم من ذلك فإن مصادر البيت الأبيض وصفت تلك المحاولات بأنها "عديمة المعنى"، لأن الباحثين لم يتمكنوا من قراءة البيانات كلها كما لم يتمكنوا من تغييرها والتلاعب فيها. وأصبح الموضوع مادة للسجال عندما رد الباحثون على ذلك بالقول إنهم قد اكتشفوا تلك العيوب خلال أسبوعين فقط، والمفروض أن جواز سفر متطوراً مثل هذا يجب أن تمر عليه عشر سنوات على الأقل قبل أن يتم اكتشاف أي ثغرات فيه.
ولكنَّ من يقولون ذلك يتناسون أن ما يقولونه قد غدا أمراً غير منطقي في ظل التطور الإليكتروني الهائل الذي نشهده حالياً، والذي يُمكن فيه للبعض اكتشاف ثغرات أمنية في أي شيء والنفاذ منها مهما كانت درجة إحكامها، وذلك قبل أن تتنبه الجهة صاحبة البيانات التي تم اختراقها بإصدار تحديث أمني جديد لسد تلك الثغرات، كما يحدث مثلاً بالنسبة لـ"مايكروسوفت" التي تقوم بإدخال تحديثات أمنية مستمرة على النسخ المختلفة التي تصدرها من نظام "ويندوز" لسد الثغرات التي ينفذ منها القراصنة والمتطفلون الإليكترونيون.
بروس شناير
كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"