ضمن قراره رقم 1706، وافق مجلس الأمن الدولي على إرسال قوات دولية قوامها 22500 جندي إلى إقليم دارفور السوداني، ولكي تتمكن تلك القوات من الوصول، لابد أن توافق الحكومة السودانية على ذلك. ولكن ما يحدث حتى الآن هو أن النظام الحاكم يرفض السماح لتلك القوات بالذهاب إلى دارفور، بل ويهدد بجعل دارفور "مقبرة للغزاة"! لقد ذهب النظام السوداني إلى التصعيد والتهديد والوعيد بأكثر من ذلك، مفلتاً من يده فرصة مواتية لحل أزمة الصراع القائمة هناك بينه وبين المجتمع الدولي. إن حل أزمة الصراع في دارفور لن تحل عن طريق المزيد من التصعيد، بل إن الطريقة المثلى لإدارة تلك الأزمة وحلها هي تمالك الأعصاب والهدوء والتروي، وما قام به النظام السوداني حتى الآن أدخله في دوامة سياسية وعسكرية حقيقية، وقد بدأت ولكن ليس واضحاً أين ستنتهي. الغريب في الأمر هو أن حكومة "المؤتمر الوطني" في الخرطوم تبدو وكأنها لم تقرأ الصور السياسية الشاملة، التي نجمت عن صدور قرار مجلس الأمن بشكل جيد، تفهم معه موقعها الدقيق عن عدم تطبيق ما جاء فيه. فهو أولاً، صدر بتصويت 12 عضواً لصالحه مع امتناع كل من الصين وروسيا وقطر عن ذلك. وثانياً، رفضت إرسال وفد رفيع المستوى إلى اجتماعات مجلس الأمن لمناقشة ترتيبات إرسال القوات وقوامها وطبيعة مهمتها. وثالثاً، هي تحامت بالطلب من قوات الاتحاد الأفريقي مغادرة السودان في غضون أسبوع واحد فقط. ورابعاً، هي قامت باستعراض قوتها العسكرية التي بدت مما نقلته لنا وسائل الإعلام المصورة بأنها متواضعة جداً من حيث العدة والعتاد. وخامساً وقبل كل هذا، قامت بالتلكؤ في استقبال المندوبة الأميركية "جنداي فريزر" مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية، التي بقيت تنتظر لأطول مما يجب إلى أن سمح لها بمقابلة الرئيس، والتي كانت قد استقبلت بهتافات ولافتات غير ودية أثناء وصولها، وطلب منها المتظاهرون العودة من حيث أتت. إن هذا النوع من الممارسات غير المدروسة تجاه أزمة حقيقية في إقليم منكوب، مات من سكانه حتى الآن 300 ألف شخص وتشرد حوالى 3 ملايين شخص أصبحوا لاجئين منذ عام 2003، يدخل النظام الحاكم في السودان في متاهات وتعقيدات سياسية جلبت إليه حتى الآن عداوة المجتمع الدولي، وجعلته عرضة للانتقاد من كافة أطرافه بمن في ذلك أصدقاؤه الذين تربطهم به مصالح ويعتمد عليهم حتى الآن في مواجهة كافة الضغوط والانتقادات. إن بعض الأطراف الفاعلة في النظام الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، ترى أنه بالرغم من أن تطبيق القرار 1706 يتطلب موافقة الحكومة السودانية، فإن ذلك قد لا يصبح ضرورياً إذا ما استمرت الحكومة السودانية في تعنتها الشديد الذي تنتهجه. حتى هذه اللحظة يوجد الكثير من الالتباس حول قوة هذا القرار الذي صمم لكي يحتوي حرباً أهلية طاحنة تدور رحاها في دارفور، ولكي يعالج مأساة إنسانية مدمرة لا زالت طاحونتها تدور وتعصف بمئات الآلاف من البشر، وتهدد الملايين بالنزوح والتشرد والموت جوعاً ومن الأمراض الوبائية الفتاكة التي قد تضر بهم في أية لحظة. إن ما قامت به الحكومة السودانية حتى الآن، لا ينم عن حنكة سياسية في إدارة أزمة الصراع، فأول ما قام به مسؤولوها بعد صدور القرار مباشرة، هو شجبه ورفض تطبيقه جملة وتفصيلاً، واصفين إياه بغير القانوني، وغير المقبول، وأن نزول القوات الأممية في دارفور هو ضرب من ضروب الاستعمار الجديد. لقد حدث كل ذلك بعصبية وتشنج غير معهود في الشخصية السودانية الهادئة الطبع. إن الأسوأ من ذلك هو أن الحزب الحاكم عقد اجتماعاً طارئاً برئاسة رئيس الجمهورية، وأصدر بياناً قال فيه بإصرار: "إن الشعب السوداني لن يقبل بأي قرار ينتهك سيادة السودان". وإثر ذلك هدد عدد من كبار المسؤولين المقربين من الرئيس بمهاجمة قوات الأمم المتحدة إن هي نزلت دارفور. أيها الإخوة في السودان: ما هكذا تورد الإبل بالنسبة لحل أزمة الصراع في دارفور، وما هكذا تعالج الأمور في مواجهة المجتمع الدولي. إن هذه الأزمة قائمة بسبب مشاكل أساسية تهم المجتمع الدولي ذات أبعاد إنسانية واقتصادية، وتهم جميع سكان الإقليم بكافة فئاتهم وأعراقهم، أهمها ما يتعلق بالقضايا المحركة لحفيظة مختلف الهويات، وبالاختلاف في توزيع الثروة والوصول إلى السلطة، وبالتعريفات المتنافسة لما هو صحيح ومقبول ومنصف ويتسم بالعدل والمساواة. وعندما يلجأ الأفراد والجماعات إلى العنف والثورة لحل مثل هذه المشاكل، فإن الصراع يأخذ منحىً آخر قوامه الأمن والبقاء. وهنا فإن جل أزمة الصراع تصبح متشعبة وذات وجوه عدة مثلما هو الصراع ذاته. لذلك فإن الحلول يجب أن تبحث عن رضى الأطراف ذات العلاقة، خاصة المواطنين في إطار سعيهم في البحث عن الأمن والبقاء، ومن ثم الرزق والعدالة. فهل سيجلب رفض النظام السوداني الحاكم لما يمكن أن يحققه وجود القوات الأممية في دارفور شيئاً من ذلك لسكانه؟ وهل يصب في نهاية المطاف في صالح السودان وشعب السودان كافة؟