إن دول مجلس التعاون كلها أمام تحديات مرحلة جديدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً· فالمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي أصبحت مطروحة بقوة في كل مكان وكذلك إشراك النساء والشباب في تحديث المجتمع وتعزيز الاستقرار·
وصل وفد جمعية الصحافيين الكويتية إلى سلطنة عمان بعد جولة حافلة في مملكة البحرين ودولة الإمارات· رحب بنا الإخوة العمانيون أجمل ترحيب قبل أن نتجه إلى الفندق· ولما كانت هذه زيارتي الثانية لمسقط، فقد كنت على يقين من أن عمان ومسقط ستسحران بجمالهما أعضاء الوفد، وهذا ما حدث·
وقد كتب د· أنس الرشيد، أحد أعضاء الوفد، مسترجعاً انطباعاته بعد عودته في الصحافة الكويتية: (زيارتي لمسقط هي الأولى، والحقيقة أنني ذهلت مما رأيت حيث الشوارع النظيفة الهادئة والمباني البيضاء الجميلة والورود الملونة والأشجار تزين الطريق كما لو كانت الشوارع حديقة خاصة)·
اهتمام الكويتيين بعمان قديم، ومن أوائل الكتاب الكويتيين الذين سجلوا انطباعاتهم عنها الرحالة الشاعر عيسى بن عبدالوهاب القطامي المولود عام 1870 والملقب بملاح الكويت الأول· وقد ألف كتاباً بعنوان (عمان و الجبل الأخضر)، وتوفي في مسقط عام 1929·· ودفن فيها!
وتعد سلطنة عمان في الميثولوجيا الكويتية بلد السحر· والكثير مما يشاهده الزائر في مسقط يوحي بذلك· فثمة الجبال الداكنة والتلال التي تخفي المنازل والمناطق، والقلاع المتناثرة الصامتة في غموض آسر وبخاصة عندما يحل الظلام· حتى البحر هنا يختلف· فهو أشد زرقة وعمقاً·· وملوحة! وبينما لا يزيد عمق الماء عندنا جنوب ميناء الكويت على 20 قامة، وفي الخليج عموماً على 100 متر، نرى العمق عند مسقط 1800 قامة أو 3000 متر!
وصلنا مسقط والسلطنة على أهبة الاستعداد لانطلاق عملية تعداد السكان· الدولة جندت كل امكانياتها لنجاح التعداد· المفتي العام للسلطنة بيّن للجمهور المحافظ وربما المتردد، (أنه لا حرج في ذكر أسماء البنات في كل أسرة لموظفي التعداد، والله تبارك وتعالى ذكر مريم ابنة عمران في كتابه الكريم باسمها، والنبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتحدث عن نسائه وبناته بأسمائهن بغير أن يتحرج في ذلك، وهكذا كان السلف الصالح)· ولا داعي كذلك، قال سماحة المفتي، للخوف من الحسد، لـ(أن الله تبارك وتعالى هو الكافي من شر حاسد إذا حسد·· والحسد لا يصيب أحداً بالسوء إلا إن كان الله تبارك وتعالى قد كتب ذلك)·
كانت فترة الزيارة قصيرة جداً لم تتجاوز اليومين· وبالإضافة إلى احتشاد البرنامج بالجولات والزيارات، كان جمال فندق (غراند حياة) أخاذاً بحيث لا يمل المرء من تأمل صالاته وبلكوناته وحدائقه، ولا يكاد يرغب في مغادرة المكان بعض الأحيان·
كان لقاؤنا الأول مع وكيل وزارة الإعلام عبدالله الحوسني بحضور جمع من المسؤولين والمسؤولات بالوزارة· وقد اغتنمت الفرصة، إلى جانب الحديث عن القضايا الإعلامية المتوقعة، كي أشيد بمبادرة ثقافية رفيعة قامت بها وزارة الأوقاف العمانية، دون أن تنال حظها من الانتباه في الوسط الثقافي والديني العربي، ألا وهي إصدار المجلة الدورية (التسامح)· وقد جاء في افتتاحية عددها الأول ما يلي:
(إن المسلم المعاصر يعاني -دون ريب- من إشكالات كثيرة في علاقته بالعالم والعصر والثقافات الأخرى· وقد ودعنا القرن العشرين وها نحن وأولئك نستقبل القرن الحادي والعشرين ونحن نحمل معنا ثقافة إسلامية مأزومة، يخافها العالم، وتخافه، وتستشعر الكثير من العجز، وفقدان المرونة· وقد أدى ذلك كله إلى ميلاد ثقافة مشغولة باختراع آليات الدفاع عن الذات، فضلاً عن التوجس من التراث الإنساني المعاصر)·
قام الوفد كذلك بزيارة مبنى وزارة البلديات، الجهة المسؤولة عن بقاء مسقط، شوارعها ومبانيها، بهذه الدرجة من النظافة والتناسق، وبيئتها البرية والبحرية متمتعة بكل هذه الحماية· كما شملت جولاتنا مجمع الإعلام حيث تصدر جريدة (عمان) الحكومية ومجلة (نزوى) الثقافية الشهيرة، حيث كان لي شرف التحاور مع رئيس تحريرها الأستاذ سيف الرحبي حول واقع الصحافة الثقافية!
التقينا في اليوم الثاني بوزير الإعلام حمد بن محمد الراشدي في نادي الصحافة· وقد تجولنا في المكان ثم توجهنا بعد ذلك لمقابلة فهد بن محمود آل سعيد، الذي أبدى حفاوة بالغة بالوفد الزائر وتحدث معنا مطولاً عن الواقع الإعلامي في دول مجلس التعاون· وما أن شارف وقت اللقاءعلى الانتهاء حتى دخل علينا شخصان يحملان على سجادة صغيرة وعاء كبيراً من الحلوى العمانية الحارة، ثم القهوة·
وكان لقاؤنا مع السيد مستشار السلطان قابوس لشؤون الثقافة ووزير الإعلام السابق عبدالعزيز الرواس خاتمة الشخصيات العمانية الرسمية التي حظينا بالجلوس إليها· وقد قمنا ظهر ذلك اليوم نفسه بتلبية دعوة سفير دولة الكويت وعائلته الكريمة، وأمضينا بعد تناول الغداء وقتاً جميلاً في تبادل الحديث عن أمور كثيرة·
لهذا أشعرتني هذه الجولة الخليجية بأن دول مجلس التعاون كلها أمام تحديات مرحلة جديدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً· فالمشاركة ا