يطلق الجغرافيون صفة الصحراء على المناطق التي يقل فيها المعدل السنوي لسقوط الأمطار عن 250 مليمتراً. وبخلاف الشكل المعهود للصحاري، كمناطق جافة شديدة الحرارة، يوجد نوع من الصحراء، يعرف بالصحاري الباردة، مثل تلك الموجودة في القطب الجنوبي، وجزيرة "جرينلاند" في الشمال، التي تعتبر أكبر جزر العالم على الإطلاق. ويعتقد الكثيرون خطأ، أن الصحاري هي مناطق قفر جرداء، تنعدم فيها الحياة. والحقيقة هي أن الصحاري، التي تغطي أكثر من عشرين في المئة من سطح كوكب الأرض، تحتضن بين ثناياها كمية جديرة بالاعتبار من النباتات المتخصصة، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الحيوانات الفقارية واللافقارية. فعلى الرغم من أن الغطاء النباتي في الصحاري بسيط ومتناثر، إلا أنه غالباً ما يتضمن طائفة واسعة من الأنواع والأجناس. وربما كان أشهر النباتات المرتبطة بالصحراء هو نبات الصبار، الذي يمكنه العيش لأكثر من 200 عام، ليبلغ عند اكتمال نموه، ارتفاعاً يصل إلى خمسة عشر متراً، ووزناً يتخطى العشرة أطنان. أما بالنسبة لحيوانات الصحراء، فيندرج معظمها تحت طائفة الفقاريات غير الثديية -مثل الزواحف-، بالإضافة إلى بعض الثدييات الصغيرة. أما الثدييات الكبيرة، فيندر وجودها في الصحراء، بسبب عدم قدرة معظمها على اختزان كميات كافية من المياه، بالإضافة إلى عدم قدرتها على تحمل درجات الحرارة المرتفعة. وإن كان هذا لا يمنع وجود أنواع متعددة من الثدييات، تنتمي لأجناس مختلفة، وتتخذ من الصحاري موطناً لها. وهو ما يؤكد أن الصحاري، ليست بالأماكن الميتة كما يتخيل البعض، بل هي في الحقيقة نظام بيئي خاص (ecosystem)، يقوم بدعم طيف واسع من أشكال الحياة، في منظومة فريدة من التنوع الحيوي. وهو ما يجعل الصحاري، بخلاف أهميتها البيولوجية، ذات أهمية على الصعيدين الاقتصادي والثقافي. ولكن للأسف، مثلها مثل العديد من النظم البيئية الأخرى، تخضع الصحاري لضغوط شديدة، قد تحولها بالفعل إلى مناطق ميتة، جرداء بالفعل. فالتغيرات المناخية، واستنزاف الإنسان لمصادر المياه الشحيحة في الصحراء، وحتى النشاطات السياحية الصحراوية، من رحلات "سفاري" وخلافه، تهدد بقاء النظام البيئي للصحراء. وهذه هي الحقيقة الأساسية، التي تضمنها تقرير صدر هذا الأسبوع عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ضمن الاحتفالات بيوم البيئة العالمي، تحت عنوان: المستقبل المتوقع لصحاري العالم (Global Deserts Outlook). هذا التقرير، الذي هو الأول من نوعه في دراسة الحالة الراهنة لصحاري العالم، يعرِّف الصحراء حسب ثلاثة تعريفات مختلفة. التعريف الأول، أو التعريف المناخي المعتاد، يعتمد على المعدل السنوي لسقوط الأمطار. أما التعريف الثاني، أو التعريف البيولوجي، فيعرف الصحراء بأنها المناطق البيئية التي تحتوي على حيوانات ونباتات، تكيفت للعيش في المناطق شحيحة المياه. بينما ينص التعريف الثالث، أو التعريف المادي، على أن الصحاري هي المناطق التي تمتد فيها التربة الجرداء لمسافات شاسعة، بسبب قلة الغطاء النباتي. وبأخذ هذه التعريفات الثلاثة في الاعتبار، نجد أن الصحاري تغطي قرابة ربع الأرض اليابسة، أو ما يعادل 33.7 مليون كيلومتر مربع، وهي المساحة التي يقطنها أكثر من 500 مليون شخص. معظمهم يعيشون على الحواف الخارجية للصحاري، وهي بالتحديد المناطق التي تخضع نظمها البيئية والتنوع الحيوي فيها، لأكثر الضغوط والدمار. هذه الضغوط تظهر في شكل انفجار سكاني، مصاحب بعدم كفاءة استغلال ما هو متاح من مصادر مائية. وهو ما من شأنه بحلول عام 2050، أن يدفع ببعض الدول المتضمنة لمناطق صحراوية، باتجاه التعرض لشح في ما هو متوفر لسكانها من مصادر مائية، وهو الشح الذي يمكن أن يتحول لاحقاً إلى ندرة وعجز حادين. هذا الوضع يتوقع له أن يتفاقم، بسبب حرمان الصحاري من مصادر المياه المتجددة التي تزودها بها الأنهار الكبرى، نتيجة السدود والتحويلات والصراعات العسكرية. ويرى القائمون على تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن هذا المصير المحتوم للصحاري، لن يتم عكس اتجاهه، إلا إذا زاد الإدراك العام بالفوائد البيئية والاقتصادية التي يمكن جنيها من النظم البيئية الفريدة للصحارى. حيث يمكن للكائنات الحية الموجودة في الصحراء، أن تصبح مصدراً وافراً لأدوية وعقاقير جديدة، أو أن تساهم في حل مشكلة النقص العالمي المتزايد في الحبوب الغذائية. وربما كان أفضل مثال على ذلك، هو نبات "النيبا" (Nipa)، الذي ينمو في صحراء الشمال الغربي للمكسيك، عند مصب نهر كولورادو. هذا النبات يعيش بالكامل على مياه البحر المالحة، منتجاً كمية كبيرة من الحبوب الشبيهة بحبوب القمح، والتي يعتمد عليها السكان المحليون بشكل أساسي في غذائهم. مثل هذا النبات، يمكن أن يصبح يوماً ما أكبر هدية قدمتها الصحراء للعالم، إذا ما تحول إلى محصول غذائي عالمي. وحتى مشكلة الدفء العالمي، يمكن للصحراء أن تساهم في التخفيف من وطأتها، من خلال استبدال الوقود الأحفوري بأشعة الشمس الفياضة في الصحراء، كمصدر متجدد للطاقة. حيث يقدر بعض الخبراء، أن مساحة 800 كيلومتر مربع فقط من صحراء شمال أفريقيا، يمكنها أن تمد العالم أجمع بكامل احتياجاته من الكهرباء. ومثل تلك الأفكار، ربما كانت البداية في استغلال الصحاري بشكل اقتصادي أفضل، وهو ما من شأنه أن يضمن أيضاً مستقبلاً أفضل، لكل من اختاروا أن تكون الصحراء موطنهم، سواء كانوا من البشر أم من الكائنات الحية الأخرى. ــــــــــــــــــــــــــــ د. أكمل عبد الحكيم