إعادة تشكيل العقل المسلم
الجهاز الذي لا يعمل يتوجب إصلاحه أو التخلص منه. وكذلك الأفكار والنظم. وحسب مالك بن نبي فالأفكار منها الميت والقاتل. وكما كان لكل مدينة مقبرة للجثث فيجب دفن بعض تلك الأفكار الميتة. ولكن من يتجرأ فيقول إن هذه فكرة ميتة؟ وفي جراحة الأوعية الدموية يتم استبدال الشريان المسدود بآخر، أو يسلَّك الشريان، وإلا مات الإنسان بنوبة قلبية.
والعالم الإسلامي اليوم مع فروعه المتدلية في الغرب يمثل كتلة بشرية تبلغ خمس سكان الأرض ولكنه مثل العملاق المخدر. هذا واقع يجب الاعتراف به. وكما في إحداثيات الفلسفة فمن عرف هو أين؟ يمكن أن يتوجه إلى أين؟
إن هذا يقودنا إلى الاعتراف بأن أوضاعنا ليست صحية؟ والهجرة إلى الغرب في قسم منها غير صحية. ومن يفرّ هو واحد من ثلاثة: طالب علم يبحث عن علم يفتقده. وهارب من اضطهاد يلاحقه. وباحث عن رزق. بعد أن لم يبق الوطن وطناً.
يبدو أننا بحاجة إلى فقه جديد وإعادة تصنيع العقل والثقافة.
وأول ما يعالج الداء بحسن التشخيص. وأهم ما في التشخيص معرفة السبب. وأهم ما في السبب تحديد (جرثومته).
وإذا كانت الأمراض العضوية تنتقل بـ"وحدات" من الفيروسات والجراثيم، كما في حمى الطيور، فإن الأمراض الاجتماعية تنتقل بوحدات من "الأفكار" الممرِضة. ولكن هذا يفتح لنا كهف علي بابا والأربعين حرامي؟ فما هي الأفكار التي أوصلت إلى المرض؟ وهل عندنا الجرأة والتجرد لأن نواجهها حتى لو اكتشفنا أنها تتصل بنظام الفكر الذي نحمله ونؤمن به؟
سوف أقص عليكم قصة حدثت معي في أحد مساجد مونتريال؛ ففي يوم كنت في زيارة لمونتريال في كندا ودخلت مسجداً، وهناك عرفني نفر من الشباب من اطلاعهم على كتابي "الطب محراب للإيمان"، وكان أحدهم يشرح الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم...)، ثم طلب مني الشباب الحديث.
ظن الشباب أنني سأتحدث لهم عن عجيب خلق الله في تشريح جسم الإنسان، ولكنهم فوجئوا حينما انصب تعليقي على الآية التي كان يحاول "الواعظ" شرحها لمن حوله؟!
قلت لهم إنكم قوم خطرون على المجتمع الكندي! إن كندا سمحت لكم بكل شيء فاجتمعتم في (بيوت) أُذن لكم أن ترفعوها تذكرون فيها اسم الله بالغدو والآصال، في مجتمع لا يدين بدينكم. ووفرت لكم أن (تعبِّروا) عن آرائكم، من حيث حرمتم منها في مجتمعاتكم التي فررتم منها، و(تكتبون) كيف يحلو لكم دون خوف من رقيب عن اليمين والشمال، في الوقت الذي كانت جرأة من هذا القبيل في الوطن تكلفكم نومة أهل الكهف في أقبية مخابرات تذكر بالقبر. وأباحت لكم تنظيم (مظاهرات) قد تكلفكم حياتكم في الوطن العربي الكبير، وتدخلون وتخرجون من البلد في الوقت الذي يناسبكم بدون تأشيرة دخول ورسم خروج، وأنتم تريدون القيام بعمل مسلح في هذا المجتمع المسالم، وتسمونه "دار الكفر"!
لماذا إذاً جئتم لهذه الأرض؟ وطلبتم جنسيتها؟ وأكلتم من خيراتها؟ وأحضرتم عائلاتكم ودفعتم أولادكم إلى مدارسها يتعلمون اللغتين الفرنسية والإنجليزية؟ وتنتظرون بعيون اللهفة ذلك اليوم الذي تضعون في جيوبكم جواز السفر لعله ينفع يوماً إذا زلزلت الأرض زلزالها؟
كان جوابي أكبر من الصدمة، ولم أسلم من العداوة، ولكن خرجت من المسجد سالماً لحسن الحظ مطوقاً بعيون محمرة ونفوس تفور غيظاً فهي تمور.