هكذا هم الرجال··· هكذا هو مكتوم
هكذا هم الرجال المخلصون لأوطانهم، يعملون بجهد متواصل ولكن بصمت شديد، لا ينتظرون عرفاناً أو شكوراً، طالما أن الجهد يبذل والعرق يسكب من أجل الوطن ومن أجل الأرض التي نحب··
هكذا هم أبطال الأوطان والقادة الأفذاذ شهداء من أجل الوطن·· يفنون أعمارهم من أجل أوطانهم، وعندما تحين ساعة الرحيل وساعة الأجل المحتوم يرحلون بصمت أيضاً·· تماما كما عاشوا بصمت، لكن تبقى بصماتهم وتبقى أعمالهم الصالحة شاهداً أبدياً عليهم·· يبقى الإرث الذي يحمّل الأبناء مسؤولية إكمال المسيرة حتى لا تضيع التضحية الغالية·
وهكذا فإنه برحيل الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله، فإن الإمارات لم تفقد أحد أركان أعمدتها السبعة فقط، بل فقدت ابنا باراً مخلصاً وقائداً فذاً تفانى في خدمة قضايا بلاده وأمته العربية وتميز بالحس القومي والعربي الأصيل·
وهكذا هو الشيخ مكتوم فارس حتى في مماته·· ترجل بهدوء لكنه ترجل واقفاً تاركاً كل هذا الإرث في دبي وفي الإمارات وفي أماكن أخرى من العالم··
وهكذا هو أحب دبي، وأحب الإمارات، فجعل منها حلم كل البشر، وجعلها محبوبة كل الأمم·· وأحب شعبه فجعله يرفل في النعيم·· وأحب الفروسية فجعل الخيل العربي الأصيل شغل العالم الشاغل··
وهكذا هو أحب الحياة، فعاش كل التفاصيل ومد أياديه إلى كل أصقاع العالم ليبحث عن اليتيم ليكفله، ويبحث عن الفقير فيطعمه، ويبحث عن اللاجئ فيؤويه، ويبحث عن طالب العلم فيعلمه··
وهكذا هو الحب يحول التراب إلى مدن عصرية تشبه مدن المستقبل البعيد ويحول الصحراء إلى بساتين خضراء، ويحول البحر إلى جزر مأهولة بالسكان··
وهكذا هو الشيخ مكتوم رائداً لمدينة دبي ولكل مدن العالم عكس حبه لدبي على وجهها وروى رمالها بتعبه وعرقه، فانبت كل هذا الذي نراه اليوم على أرضها··
وهكذا هو منذ أن كان شاباً صغيراً يساعد أباه الشيخ راشد بن مكتوم في بناء دبي لبنة لبنة· من تلك المدرسة تخرج ومن هناك تعلم الحكم والسياسة، من أبيه الذي أسس دبي الحديثة··
وهكذا هو كان شاهداً على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة وكان أحد مهندسي الاتحاد، وكان أحد القادة الذين قادوا مسيرة النهضة والوحدة والبناء في البلاد منذ الاتحاد عام ·1971
وهكذا هو عندما لمع نجمه كأول رئيس وزراء لدولة الإمارات عام 1971 من يومها أصبح واحداً من الشخصيات المعروفة عالمياً·· ومن يومها حمل عبء المسؤولية··
وهكذا هو لم يعرف الملل أو الكلل·· ومن يومها ظل يعمل بصمت وجهد من أجل بلاده وشعبه وساهم بدور رئيسي في تقوية الاتحاد يوما بعد يوم وعاماً بعد عام ليرفع اسم الإمارات عالياً ويجعله يسابق الأمم على القمة··
وهكذا هو كان نموذجاً للحاكم والإنسان العربي الذي أجمع القاصي والداني على حكمته وأياديه البيضاء ومناقبه الإنسانية··
وهكذا هو دائماً جميل متأنق فجعل الإمارات جميلة متأنقة منتشية دائماً تعتز بعنفوانها وبقادتها وبقوة اتحادها وبأمانها وبسياستها الحكيمة وبعزها وبشبابها وبأنها وجهة العالم السياحية الأولى وبأنها حاصدة الجوائز العالمية الأولى في كل شيء وبأنها وجهة العالم الاستثمارية وبأنها مدينة العرب وبأنها عاصمة المال والأعمال وبأنها أرقى مكان في العالم وبأنها مركز الأرض الجديد وبأنها لؤلؤة الخليج وبأنها دانة الدنيا وبأنها فينيسيا الشرق وبأنها العاصمة الكونية··
وهكذا هي الإمارات التي عودت العالم على الفرحة الدائمة وعلى الضحكة الحلوة من أجل الحياة الحلوة·· عندما تشعر بكل هذه الخسارة·· وعندما تذرف كل هذه الدموع، وعندما تعلن كل هذا الحداد وعندما ترتدي كل هذا السواد وعندما تتوقف عن الفرحة لأيام، لن يلومها أحد، فخسارتها فادحة وخسارتها ليست لها وحدها فهي خسارة لكل العرب وخسارة لكل الإنسانية ولكل الرجال الشرفاء ولكل الفرسان ولكل الأبطال··
وهكذا نبحث اليوم عن العزاء للإمارات في ابنها فنجده في إخوان الفقيد وفي أبنائه·· نجده في شقيقه وقرة عينه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم·· فارسا آخر من فرسان الإمارات يحمل الشعلة ليكمل المسيرة··
وهكذا فإن الإرث لن يضيع، وإن التضحية بالصحة والوقت والجهد لم تكن هدرا فهناك رجال على نفس العزم وعلى نفس الخطى لن يتوانوا برهة عن التضحية من أجل الوطن·
وهكذا فإن الشـــــيخ محمد ســـــيحمل أركــــــان الوطن، تماماً كما حمله شــــقيقه الفقيد، وتمـــاما كما حمــله فقيد الأمـــــة الشـــيخ زايد وتماما كما حمله والده الشيخ راشد··
سعيد البادي