يمر عيد الشكر على الأمة الأميركية كل عام في الخميس الأخير من نوفمبر، ويعتقد الكثيرون ممن ليست لهم دراية كافية بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية بأن عيد الشكر مناسبة دينية· ولكن الحقيقة غير ذلك، فما هي تلك الحقيقة؟ وكيف تطور عيد الشكر لكي يصبح على ما هو عليه الآن؟ وقبل الإجابة على هذين التساؤلين لابد من الإشارة إلى أن عيد الشكر الأميركي هو أهم المناسبات التي يحتفل بها الشعب في الولايات المتحدة بكافة خلفياته العرقية والدينية والطائفية·
وما يدل علي ذلك أنه بخلاف جميع المناسبات الأخرى يحتفل جميع من يتواجد على أرض الولايات المتحدة تقريباً بهذه المناسبة، وتغلق جميع الأعمال أبوابها في ذلك اليوم· ففي هذا اليوم بالتحديد تكاد تكون الحياة في الولايات المتحدة مشلولة تماماً إلى درجة تبعث الملل في النفس لمن هو غير متعود على هذه المناسبة أو لا يحتفل بها·
ومن جانب آخر فإن عيد الشكر هو أكثر يوم يأكل فيه الشعب الأميركي خلافاً لجميع بقية أيام العام، بحيث أن مذبحة تحدث للديوك الرومية التي تعتبر الوجبة الرئيسية على مائدة جميع الأميركيين تقريباً في ذلك اليوم، فخلال هذا العام 2005 تم بيع 265 مليون ديك رومي بلغت قيمتها حوالي 3,1 مليار دولار· ويصاحب وجبة الديك الرومي طبق البطاطا الحلوة التي يزرع منها حوالى 1,6 مليار رطل سنوياً، والقرع الأحمر الذي طرح في الأسواق منه حوالي مليار رطل هذه السنة·
وعودة إلى السؤالين المطروحين يمكن القول إن عيد الشكر نشأ كمناسبة دينية لدى البروتستانتيين الإنجليز في بريطانيا أولاً، ثم انتقل منهم إلى العالم الجديد لكي يأخذ شكلاً جديداً· ففي عام 1863 أعلن عيد الشكر مناسبة وطنية قومية من قبل في خطوة كان الهدف من ورائها لمّ شمل الأمة الأميركية بعد أن قسمتها الحرب الأهلية وجعلتها أشلاءً ممزقة· وإن كانت المناسبة تعبر عن الشكر إلا أن ذلك الشكر ليس شكراً دينياً مقدساً للخالق أو للقديسين أو لأي رمز ديني آخر، وإنما هو شكر يقوم به الأميركيون للمستوطنين الأوائل الذين وفدوا إلى القارة الأميركية في بادئ الأمر وفتحوا الطريق أمام الآخرين الذين يشكلون الشعب الأميركي الحالي·
صحيح أن الاحتفال بعيد الشكر يقوم به الأميركيون ذوو الأصول المسيحية الأوروبية أكثر من غيرهم، ولكن الملاحظ أن بقية أفراد الشعب الأميركي الآخر من يهود ومسلمين وأفارقة يحتفلون بهذه المناسبة أيضاً وإن كان كل بطريقته· سألت أحد العاملين معي في المكتب وهو من أصول إريترية مسلمة يقيم منذ مدة طويلة في الولايات المتحدة مع أسرته، إن كان قد احتفل بعيد الشكر، فأجاب بنعم، وأنه قضى وقتاً ممتعاً مع أطفاله احتفاءً بهذه المناسبة· فسألته وهل قمتم بطبخ الديك الرومي؟ فقال: لا، إنما طبخنا ''الزغنيه'' وهو طبق إريتري- إثيوبي معروف يتكون من مرق الدجاج والكسرة الحبشية، أي أن صاحبنا احتفل بعيد الشكر وفقاً لتقاليده الخاصة·
إن ما أريد إيصاله للقارئ الكريم هو أن هذه الأمة التي تشكلت تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية، تسير بخطى حثيثة نحو تكوين مجتمع متماسك، رغم كل ما يشير إليه البعض في الخارج بأنه متفكك، فالكل هنا يشعر بحب هذه الأرض ويعمل جاهداً على خدمتها خاصة أولئك الذين قدموا من العالم النامي والبلاد الفقيرة في آسيا وأفريقيا والمنطقة العربية، دع عك ذوي الأصول الأوروبية بكافة تفرعاتها· فجميع هؤلاء يشعرون بأن هذا الوطن الجديد الذي اختاروه لأنفسهم قدم لهم نسبة عالية من رغد العيش والحرية والديمقراطية والمساواة والأمن والأمان· وهذه الحقيقة ربما يجهلها الكثيرون في خارج الولايات المتحدة· وتجسيداً لحقيقة حب الشعب الأميركي لوطنه أن الاحتفال بمناسبات الولايات المتحدة الخاصة كيوم الاستقلال وعيد الشكر يفوق ما عداها من احتفالات أخرى·