تأملوا معي هذا الوضع: مريض يدخل إلى قسم الطوارئ وهو يعاني من إحساس رهيب بالضغط في الصدر، ويشكو من ألم شديد ينتشر على امتداد الذراع. يتم إجراء فحوصات الدم اللازمة، ويتبين وجود مستويات غير عادية من إنزيمات عضلات القلب، مما يؤشر إلى وجود نوبة قلبية. ويتبين من رسم القلب أن النوبة القلبية خفيفة، وأن هناك شرياناً مسدوداً جزئيا ولكن لا يزال هناك بعض الدم الذي يتدفق عبره إلى القلب.
في هذه الحالة ما الذي يجب على الأطباء أن يفعلوه؟ حتى وقت قريب كانت الإجابة الواضحة على هذا السؤال هي: يجب نقل المريض فورا إلى مختبر قسطرة القلب Cardiac catheterization لإجراء جراحة توسيع للشرايين من خلال فتح الشريان المسدود عن طريق البالون، أو عن طريق إدخال أنبوب معدني رقيق ودقيق داخل الشريان Stent. وهذه العملية تنطوي على خطر طفيف، ولكن بدونها فإن النوبة القلبية الخفيفة يمكن أن تتطور إلى نوبة مميتة – كما كان يعتقد الأطباء.
بيد أن هناك دراسة حديثة أجراها بعض أطباء القلب الهولنديين كشفت عن أن هناك إجراء آخر قد تكون له نفس الفعالية، حيث يمكن للأطباء - في حالة كالسابقة- أن يعطوا المرضى عقاقير لتذويب الجلطة، وعقاقير أخرى لتخفيض مستوى الكولسترول في الدم، ثم الانتظار إلى أن تخف آلام الصدر، وإذا ما خفت تلك الآلام فلن تكون هناك حاجة لإجراء جراحة لتوسيع الشرايين.
وقد مثلت تلك النتائج مفاجأة للكثيرين من الأطباء لأنها تختلف اختلافا بينا عن الإجراءات المعتادة في مثل هذه الحالات. ومع ذلك،فإن كبار أخصائي القلب الأميركيين يقولون إنه ليس من المتوقع أن تؤدي تلك الإجراءات الجديدة إلى تغيير الممارسات الطبية السائدة في أميركا بالنسبة لمرضى القلب - على الأقل حتى الآن. ولكن هؤلاء الأطباء أنفسهم لا ينكرون مع ذلك أن الدراسة قد أجريت بالأسلوب الصحيح، وأن المرضى الذين أجريت عليهم، قد تلقوا عناية قلبية متطورة.
والدراسة التي قام بها فريق يرأسه "د. روبرت جيه دي وينتر" مدير مختبر قسطرة القلب في المركز الطبي الأكاديمي في أمستردام شملت 1200 مريض كانوا يعانون من آلام في الصدر، كما كانوا قد تعرضوا من قبل لنوبات قلبية خفيفة.
وقد تم إجراء عمليات فورية لتوسيع الشرايين لنصف عدد المرضى الذين شملتهم هذه الدراسة، أما النصف الآخر فقد طلب منهم الانتظار لمعالجتهم طبيا عن طريق العقاقير. وفي حالة عدم زوال الألم في الصدر كان يتم إرسال هؤلاء المرضى إلى مختبر القسطرة. وقد تبين في نهاية المطاف أن نصف الذين طلب منهم الانتظار خضعوا لعملية لتوسيع للشرايين.
"يجب على الأطباء أن يعطوا الأدوية وقتا حتى تفعل مفعولها. فهذا أمر مهم، لأنه لا يوجد في الحقيقة أي داع لإخضاع الجميع لأجراء واحد قد لا يستفيدون منه". هذا ما قاله "د. ويليام إي. بودن"، مدير قسم أمراض القلب، بمستشفى "هارتفورد". وأردف د. بودن:"هذه الدراسة يجب أن تنبهنا إلى حقيقة هي أن الأمر قد لا يستدعي إخضاع كل مريض يعاني من نوبة قلبية لجراحة لتوسيع الشرايين".
وقد لاحظ "د. فالانتين فوستر" مدير معهد أمراض القلب والجهاز الدوري بمدرسة "ماونت سيناي الطبية" الأميركية أن الإجراء الخاص بالمبادرة إلى فتح الشرايين لكل شخص يعاني من ألم في الصدر، يرجع في الأصل إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي، حيث كان يتم القيام بهذا الإجراء على المرضى الذين يعتبرون من المعرضين أكثر من غيرهم لخطر الإصابة بالأمراض القلبية بسبب زيادة أوزانهم، أو إفراطهم في التدخين، أو غير ذلك من أسباب، كما كان يتم تطبيقه كذلك على المصابين بنوبات قلبية شديدة أيضا. وفي الواقع أن ذلك كان هو الإجراء الملائم في مثل تلك الحالات، لأن شرايين مثل هؤلاء المرضي تحتاج إلى فتح فوري - كما يقول الدكتور فوستر.
ولكن الأطباء كانوا يقومون بهذا الإجراء أيضا بالنسبة لحالات النوبات القلبية الخفيفة، خصوصا وأن بعض الدراسات كانت تشير إلى إن إجراء عملية توسيع سريعة للشرايين، قد ساعد مثل هؤلاء المرضى. وهذه الدراسات أجريت في السنوات التي سبقت توصل شركات الأدوية إلى إنتاج أدوية مذيبة للجلطات ومخفضة للكولسترول، يمكن إعطاؤها للمرضى المصابين بنوبات قلبية خفيفة، عقب إصابتهم بهذه النوبات. وقد استفادت الدراسة الجديدة من تلك العقاقير، وهذا هو السبب الذي جعلها تخلص إلى أنه لا توجد ميزة واضحة لقيام الأطباء بإجراء عمليات توسيع فورية للشرايين في حالات الإصابة بنوبات قلبية خفيفة.
ويقول د. فوستر:"إن ما تقوله هذه الدراسة هو أنه يمكننا كأطباء أن نتبع المنهج المحافظ في علاج المصابين بالنوبات القلبية، والذي يعتمد على إعطاء العقاقير، ثم الانتظار لرؤية ما إذا كان هناك تحسن سيطرأ على الحالة أم لا.. بدلا من المسارعة إلى إجراء عمليات توسيع الشرايين التي قد يتبين فيما بعد أنه لم يكن لها داع قوي..". أما "د. بيتر ليبي" رئيس قسم أمراض القلب والأوعية الدموية في برمنجهام ومستشفى أمراض النساء في بوسطن فيوافق على ما قاله د. فوست