ماذا سيكون عليه حال النفط وما مستقبله خلال السنوات والعقود القادمة؟ ذلك هو السؤال الذي ما فتئ يطرح منذ سنين عديدة، خاصة خلال مواسم الأزمات والقلاقل في سوق النفط العالمية، كما هو الحال في الوقت الراهن مثلا، وذلك السؤال هو ذاته الذي تحاول الإجابة عليه نخبة من خبراء الطاقة أسهموا في كتاب "مستقبل النفط كمصدر للطاقة"، الصادر حديثا عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي يتناول في 320 صفحة، جوانب تتعلق بحقائق الوضع الحاضر للنفط واحتمالاته في المستقبل، وبدائل النفط والمصادر الأخرى للطاقة، وقضايا أخرى تتعلق بصناعة النفط.
يعد النفط أحد الموارد المعدنية المهمة التي تغتني بها الطبيعة، لكن بكمية محدودة وقابلة للنفاد، خاصة إذا استمر الطلب والاستهلاك في مستوياتهما الحالية، إذ يتوقع أن تنضب جميع الاحتياطات النفطية ذات يوم في المستقبل؛ فهيمنة النفط كمصدر عالمي للطاقة قد تأثرت بعدد من التطورات في الأعوام الأخيرة، وبالنظر إلى محدودية موارده وقابليتها للنفاد، وبالنظر إلى المزايا النسبية لمصادر الطاقة البديلة، وإلى إمكانية حدوث تطورات تقنية كبرى في صناعة النفط، والمخاوف البيئية الملحة، فإن هناك تحولات مهمة قد تحدث في مشهد الطاقة العالمي. ومن هذا المنطلق يعالج الكتاب مسألة مستقبل النفط عبر ثلاثة أوجه؛ يتعلق أولها بالجانب الجيولوجي، حيث يحذر المؤلفون من أن البيانات المتعلقة بالإنتاج والاحتياطات النفطية غير دقيقة في الغالب، مما يجعل عملية تقدير إمدادات النفط المستقبلية أمراً بالغ الصعوبة. أما الوجه الثاني للمسألة، فيتمثل في أن النفط يمكن أن تحل محله أنواع وقود بديلة قبل انتهاء عمره الجيوفيزيائي، بينما يشير الوجه الثالث إلى دور السياسات البيئية التي تشجع تنمية موارد الطاقة المتجددة وإدخال تقنيات لتوفير النفط المستخدم.
وفيما يتعلق ببدائل النفط، يتضمن الكتاب تقييماً عاماً يسعى إلى فهم اتجاهات التغير وعوامله داخل أسواق الطاقة من المنظور الاقتصادي والبيئي والسياسي والتقني، حيث تلتقي مجمل الحوافز لتوجه الاستخدام المستقبلي للطاقة في الاتجاه نحو الطاقة البديلة. أما من منظور جغرافي فيقدم الكتاب تصورا مفاده أن التطور في الدول النامية، لا سيما في آسيا، هو الذي سيكون له الأثر الأكبر في رسم سيناريو الطاقة خلال الفترات القادمة، كذلك يستشرف الكتاب مستقبلاً للطاقة يرتكز على تقنيات توليد الطاقة المتجددة والهيدروجين وخلايا الوقود، وهي التقنيات التي قد تصبح ذات أهمية كبيرة في وقت ما مستقبلا. بل إن بعض الخبراء الذين شاركوا في تأليف هذا الكتاب يعبرون عن تفاؤل أكبر بشأن فرص وإمكانيات الطاقة المتجددة مستقبلا؛ فالموارد الكهروضوئية الشمسية وطاقة الرياح يشهدان نمواً سريعاً في المبيعات، وانخفاضاً في تكاليفهما المالية، كما يعرفان تحسنا مستمرا في الأداء، وإن كان بلوغ الإمكانات المحتملة في هذا المجال يتطلب استثمارا أوسع من الاستثمار الحالي.
وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي الذي عُدَّ ولفترة طويلة وريث النفط، حيث يتوقع أن ينطوي الانتقال من عصر النفط إلى عصر الطاقة المتجددة على وجود الغاز، يؤيد مؤلفو الكتاب الرأي القائل بأن مستقبل الغاز الطبيعي لامع وإيجابي تماماً، مبرهنين على صحة ذلك الرأي بالإشارة إلى النمو التاريخي في استهلاك الغاز وتوافر احتياطيات كبيرة منه وبروز توقعات حديثة حول الطلب المستقبلي على شرائه.
إن حدوث تحول من الوقود الأحفوري عامة (النفط، الغاز الطبيعي، والفحم الحجري) إلى البدائل غير الأحفورية يعتبر أمراً حتمياً كما يوضح الخبراء، لذلك يبرز سؤال التحدي التي ينطوي عليها مثل هذا التحول. وفي هذا الإطار تبرز قدرة أنواع الوقود المتجددة على التطور إلى مكافئ وظيفي لأنواع الوقود الأحفورية. ورغم أن التكلفة المالية لكثير من أنظمة الطاقة المتجددة قد تراجعت في العقدين الماضيين، فإن هناك معوقات تتعلق بالتغلب على طبيعة الانتشار المكاني لتلك الأنظمة، وتدني جودة الطاقة التي تولدها مقارنة بالوقود الأحفوري.
ويعالج الكتاب طبيعة المخاوف والتهديدات البيئية التي تواجه مستقبل النفط، والتي لم تعد تقتصر على تلوث الهواء، بل تشمل تآكل التربة وتلوث الماء وظهور المطر الحمضي وأخيراً تغير المناخ العالمي.
وكما كان الفحم بمثابة الموجة الأولى في سبيل التخلص من انبعاثات الكربون، ثم جسد النفط الموجة الثانية، بينما جسد الغاز الطبيعي الموجة الثالثة، فإن الموجة الرابعة والتي نحن على عتباتها الآن - كما يوضح الكتاب- تتمثل في استخدام الهيدروجين كوقود للطاقة. ومن هنا ستشكل المخاوف من التغيرات المناخية دافعاً رئيسياً للتحول من "الاقتصاد الأحفوري" إلى "الاقتصاد الهيدروجيني" ربما خلال زمن لا يتجاوز 50 عاما على أبعد تقدير.
وإذا كان نشوء الاقتصاد الهيدروجيني من شأنه أن يضع مخاطر ومصاعب اقتصادية أمام الدول المنتجة للنفط، فإن هذه الدول يمكنها أن تحافظ على وضعها الاقتصادي بتو