في هذه النسخة المجددة من كتاب: "أزمة الدولار: الأسباب والتداعيات وطرق العلاج" يشرح لنا "ريتشارد دانكان" الخبير في الشؤون المالية، والذي عمل كمحلل مالي لمدة 16 عاماً متواصلة في عدد من كبريات البنوك والمؤسسات المالية، كما خدم أيضا بنفس الصفة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يشرح لنا العيوب الموجودة في النظام المالي الدولي، والتي يرى أنها قد أدت إلى إحداث هزات عديدة، وحالة من عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي. وهو يرى أن تأثير تلك العيوب قد يتفاقم خلال السنوات القليلة القادمة، مما قد يؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي بسبب التخفيض المتعمد لقيمة الدولار. ويقوم دانكان بتقسيم كتابه إلى خمسة أجزاء: الجزء الأول، ويبين فيه المؤلف كيف أن العجز التجاري للولايات المتحدة، والتي تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنه يتجاوز الآن مليون دولار في الدقيقة الواحدة - نعم في الدقيقة الواحدة- قد أدى إلى هز استقرار الاقتصاد العالمي من خلال خلق فقاعة ائتمانية على مستوى العالم. الجزء الثاني، ويعرض فيه المؤلف الأسباب التي تجعل من استمرار مثل هذا العجز لفترة طويلة أمرا غير ممكن، كما يشرح فيه أيضاً الأسباب التي تجعل من حدوث حالة من الكساد في الاقتصاد العالمي، وانخفاض كبير في قيمة الدولار أمراً حتمياً ولا سبيل لتجنبه. الجزء الثالث، ويقوم فيه المؤلف بتحليل التأثير الضار للغاية للكساد الاقتصادي الأميركي، وانهيار الدولار، على بقية اقتصادات دول العالم. أما الجزء الرابع فيقدم فيه المؤلف مجموعة من المقترحات التي يرى أنه لو تم تطبيقها بحذافيرها - وليس بشكل انتقائي- فإنها سوف تؤدي إلى تخفيف الضرر المترتب على التدهور المتوقع في الاقتصاد العالمي، كما أنها ستقوم في ذات الوقت بوضع الأسس المتينة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والمتوازن خلال العقود القادمة.
أما الجزء الخامس والأخير، وهو بالمناسبة الجزء الذي تمت إضافته مؤخرا في الطبعة الثانية من الكتاب، فيصف التطور غير الطبيعي لمراحل هذه الأزمة الدولارية، منذ أن تم نشر الطبعة الأولى من الكتاب في شهر سبتمبر من عام 2002. وفي هذا الجزء يقوم المؤلف بتناول الكيفية التي ستتطور بها أزمة الدولار خلال الأعوام القليلة القادمة، وكذلك السياسات المحتملة التي سوف تقوم الولايات المتحدة، والمنظمات المالية الدولية، وبقية دول العالم باتباعها من أجل مواجهتها أو التغلب على آثارها، وكيف أن الاحتمال الأرجح - من وجهة نظره- هو أن تلك السياسات ستبوء بالفشل. وفي نهاية الكتاب يناقش المؤلف ما يعرف بـ" قاعدة الدولار" ويقول إن تلك القاعدة تعاني من خلل بنيوي، كما أنها غير مستقرة، وإن سقوطها سيكون هو الحدث الاقتصادي الأهم في القرن الحادي والعشرين. ويؤكد المؤلف في هذا السياق أن النظام المالي العالمي الحالي يعاني من ثلاثة عيوب قاتلة: العيب الأول، أنه يسمح لدول معينة بالاحتفاظ بحساب جار كبير، وحساب مالي فائض عن الحاجة، لفترات طويلة، مما يتيح الفرصة لمثل هذه الدول للتمتع بانتعاش اقتصادي مصطنع، ودورات انتعاش غير حقيقية، تؤدي في الواقع العملي إلى تدمير الأسس التنظيمية التي يعمل بموجبها نظامها المصرفي، وكذلك تدمير سياساتها الضريبية السليمة.
العيب الثاني، أن هذا النظام قد جعل رفاهية الاقتصاد العالمي مرتبطة ارتباطا وثيقا بحدوث زيادة مطردة في حجم المديونية الأميركية. العيب الثالث، أن هذا النظام لابد أن يؤدي في النهاية إلى حدوث انكماش اقتصادي. ويقول دانكان إن المراحل الأولى في إفلاس الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل، وهو ما يتبدى في الإفراط الاستهلاكي للمواطنين الأميركيين بسبب زيادة حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة لهم من المؤسسات المالية، ونظام الرهن العقاري المنخفض السائد حاليا، وهو ما سيؤدي حتما إلى زيادة ديون هؤلاء المستهلكين إلى مستويات خطيرة، وإلى بقاء أسعار الأسهم والعقارات عند مستوى مرتفع مبالغ فيه، ولكنه غير حقيقي، وإلى زيادة الاستثمارات الفردية والمؤسسية بصورة كبيرة، مما يؤدي إلى حدوث أزمة في السيولة النقدية.
ويحذر المؤلف من أنه إذا ما توقفت دول العالم وخصوصا الدول التي لديها فوائض مالية ضخمة عن شراء الأصول الأميركية، وشراء سندات الحكومة الأميركية، فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من تمويل عجزها التجاري الضخم الذي يصل إلى 500 مليار دولار سنويا. ويلاحظ أن المؤلف قد تناول هذه الفكرة بالشرح والتفصيل في أكثر من موضع في الكتاب في محاولة لتثبيتها في ذهن القارئ من ناحية، ولفت النظر إلى ما تنطوي عليه من خطورة بالغة، وإن كنا نرى أن مثل هذا التكرار قد يبدو للبعض أنه محاولة للانتقاص من مستوى ذكائهم وقدرتهم على استيعاب ما يقوله المؤلف، كما قد يؤدي إلى شعور البعض الآخر بالملل، واعتقادهم أن الكاتب لا يقوم بذلك من أجل التأكيد على فكرته وإنما لملء فراغ أكبر عدد ممكن من صفحات الكتاب. ومما ينتقص من قيمة هذا الكتاب أيضا، أن المؤلف يعمد إلى طرح وجهة نظره، ولا يقوم بمق