إن نسب النجاح المتفاوتة حسب المساقات المختلفة في الثانوية العامة، والتي أعلن عنها هذا الأسبوع، تلقي الضوء على أحد المخاطر التي تهدد الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي في دولة الإمارات. فعلى الرغم من زيادة معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي في الدولة وتخطيها نسبة 100% لمن هم في سن التعليم، فإن النظام التعليمي يعاني ظاهرة التسرب المدرسي التي تزداد معدلاتها مع تقدم التدرج التعليمي، حيث تقدر نسبة التدفق من المرحلة الابتدائية بنحو 91% من مجموع الطلبة المواطنين الملتحقين بالصف الأول، وتنخفض هذه النسبة إلى 84% مع نهاية المرحلة الإعدادية، بينما تصل نسبة التدفق من المرحلة الثانوية إلى أقل من 70% من جملة الطلبة المواطنين الملتحقين بالصف الأول الابتدائي. وتنخفض هذه النسبة بدرجة كبيرة جدا حين الانتقال من المرحلة الثانوية إلى مؤسسات التعليم العالي، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أقل من ثلث الطلبة الذين يكملون الثانوية العامة يلتحقون بمؤسسات التعليم العالي. إلا أن تصنيف الطلبة المواطنين حسب الجنس يظهر مفارقة أخرى خطيرة جداً، حيث تشير التقديرات المستخلصة من البيانات والإحصاءات الرسمية لوزارة التربية إلى أن معدلات التسرب المدرسي بين الذكور مرتفعة جدا مقارنة بالإناث، وتزداد الفجوة بين الجنسين اتساعا مع التدرج في السلم التعليمي، حتى يصل معدل التسرب المدرسي بين الذكور إلى أكثر من ضعف المعدل نفسه بين الإناث في المرحلة الثانوية. فبينما تقدر نسبة التدفق من المرحلة الثانوية بالنسبة للطلبة المواطنين من الذكور بأقل من 60% من مجموع الملتحقين بالصف الأول الابتدائي، ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 80% بالنسبة إلى الطالبات المواطنات. وتختلف أسباب التسرب المدرسي من مرحلة تعليمية لأخرى، ففي حين نجد أن معظم حالات التسرب في المرحلة الابتدائية ترجع إلى عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية ترتبط مباشرة بظروف الأسرة التي ينتمي إليها الطالب المتسرب، فإن النزعة الاستقلالية ودوافع الالتحاق بسوق العمل مبكرا، خاصة بالنسبة إلى الذكور، من أكثر العوامل التي تدفع الطلبة إلى ترك التعليم في المرحلتين الإعدادية والثانوية. وعلى الرغم من أن معدلات التسرب المدرسي في دولة الإمارات في الحدود الطبيعية قياسا بما هي عليه في كثير من الدول النامية، فإن واقع دولة الإمارات وما تعانيه من ندرة في الموارد البشرية المواطنة يفرض ضرورة الاهتمام بهذه الظاهرة. ونظرا لطبيعتها المتشعبة تتطلب مشكلة التسرب المدرسي حلا شاملا تشارك فيه أطراف العملية التربوية والتعليمية كافة المتمثلة في الحكومة ووزارة التربية والتعليم، والمدرسة والأسرة والإعلام. على أن يستند هذا الحل إلى دراسات إحصائية واجتماعية وتربوية واقتصادية مسحية أكثر عمقا وتفصيلا. كما أن هناك ضرورة قصوى لإلزامية التعليم الثانوي لجميع المواطنين، وإقرار الثانوية العامة كحد أدنى للالتحاق بسوق العمل، وإعادة النظر في قوانين العمل وشروط الالتحاق بسوق العمل لمصلحة المتعلمين، كما يجب إعادة النظر أيضا في قيمة ومغزى علاوة الأبناء التي تمنح للمواطنين في الحكومات المحلية والاتحادية وربطها باستمرار هؤلاء الأبناء في التعليم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية