بحكم خبرته الطويلة في تقديم الاستشارة السياسية لستة وزراء خارجية أميركيين, في مجال المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية, وبحكم متابعته للسياسات التي تنتهجها إسرائيل, قدم آرون ديفيد ميلر, رؤية نقدية متماسكة وموضوعية لتاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وآفاق حله, من خلال مقاله المنشور في "وجهات نظر" يوم الأحد الموافق 15مايو الجاري. أهم ما يلفت الانتباه في هذا المقال, إقرار الكاتب لحقيقة رئيسية هي: أن جوهر أزمة النزاع والعنف المرتبط به بين الجانبين, تكمن أولاً وأخيراً في حقيقة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وعليه, فقد طرح "ميلر" اتجاهاً جديراً بالنظر حول ما يجب أن يكون عليه مغزى الانسحاب الإسرائيلي المرتقب من غزة, يتمثل في أن يفضي هذا الانسحاب في نهاية الأمر, إلى وضع حد نهائي لسياسة الاحتلال برمتها, وأن يصبح نموذجاً تحتذيه إسرائيل لتنفيذ انسحاب مشابه من أراضي الضفة الغربية. قبل ذلك, من المهم أن يتحول الانسحاب من أراضي القطاع, إلى جسر لاستعادة الحياة والنشاط الاقتصادي بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
الكاتب أشار إلى تضارب المواقف والرؤى في صفوف المجتمع الإسرائيلي, حول مجمل هذه القضايا. وهذا أمر طبيعي, وله انعكاساته اليومية في الساحة السياسية الإسرائيلية, بين مؤيد ومعارض لسياسات الحكومة هناك. ومحور هذا التضارب يكمن في رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تجاه مستقبل ومغزى وترتيبات انسحابه من أراضي القطاع.
وإذا كان هناك من يأمل في أن يكون الانسحاب المرتقب من القطاع, فاتحة لانسحاب لاحق, أوسع نطاقاً من الأراضي الفلسطينية, وبداية للسير على طريق تصفية سياسة الاحتلال كلها, فهو لا شك مخطئ في قراءته لتاريخ شارون وسيرته السياسية, باعتباره "عراب" سياسة الاحتلال والاستيطان, وفارسها المغوار. وهل أخطأ من قال إن شارون يريد الانسحاب من "فتات" أرض القطاع, لكي يعزز قبضته ويوسع رقعته في الكعكة الفلسطينية الأكبر والأحلى مذاقاً؟.
أحمد البكري محمد- الفجيرة