إذا كانت الأنظمة الشمولية بكل إرهابها وقمعها قد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق النتائج المرجوة من سياسة الإقصاء فكيف يستطيع النظام الديمقراطي ودعاته النجاح في ذلك؟ الديمقراطية والإقصاء لا يلتقيان كالماء والنار. على هذا الأساس تعتبر مراهنة النظام الديمقراطي وقادته على سياسة الإقصاء والاجتثاث مراهنة خاسرة.
والذين يدعون إلى سياسة الإقصاء والاجتثاث في العراق هم فريقان لا ثالث لهما. الأول من الذين ذاقوا وعوائلهم أقسى أنواع العذاب بمستويات تفوق التصور على يد النظام السابق وترك ذلك بصمة كبيرة في نفوسهم. لكن السياسي المخلص لوطنه يأبى التفكير في الانتقام الشخصي، وأن يبقى أسيراً للماضي في الوقت الذي تقع على عاتقه مهمة فتح آفاق لمستقبل مشرق. هنا تجدر الإشارة إلى السياسة المتزنة التي اختطتها لنفسها القيادات الكردية العراقية في هذا المجال ابتداء بالدعوات التي أطلقها السيد مسعود البرزاني في مؤتمر لندن من أجل نبذ سياسة الانتقام وإرساء قيم المصالحة والتسامح وانتهاء بالتصريحات الأخيرة للسيد جلال الطالباني في ضرورة إنقاذ العراق من دوامة العنف هذه عبر حوار متمدن مع كل الأطراف السياسية. وأعضاء الجمعية الوطنية العراقية الذين يصفقون بحماس للخطابات التي تحتوي عبارات الدعوة إلى الإقصاء والاجتثاث لا يختلفون عن زملائهم أعضاء المجلس الوطني في عهد النظام السابق الذين كانوا يهزجون ويهتفون عندما كانوا يسمعون عبارات التهديد والوعيد والقصاص بالموت لأعداء الثورة ومسيرتها.
أما الفريق الثاني فهم النخبة التي لم تتأذ بدرجة كبيرة من النظام السابق ولكن نظرتها الأنانية الضيقة تقودها إلى التحشيد في ثقافة الإقصاء لأن ذلك في تقديرها يكفل لها الاحتفاظ بالفرصة التي حازت عليها إثر سقوط النظام.
إن نبذ سياسة الإقصاء وتحقيق المصالحة الوطنية يمثل البداية الصحيحة للوصول إلى الهدف المنشود في إنهاء العنف عن طريق حصر الإرهاب والجريمة في دائرة ضيقة واستنهاض كل القوى المخلصة في الشعب العراقي للانقضاض على بؤرها.
د. وديع بتي حنا - عراقي مقيم في السويد