منذ بداية التاريخ، ابتلي الجنس البشري بمرض الجذام. ومنذ بداية التاريخ أيضا، ارتبط هذا المرض بالكثير من المعتقدات والمفاهيم الخاطئة. ففي العصور السحيقة، ساد الاعتقاد بأن الإصابة بالجذام تحدث نتيجة عقاب إلهي أو لعنة شيطانية. ويأتي ذكر الجذام في مواقع عديدة من الإنجيل، ولكن بقصد مجموعة الأمراض الجلدية المزمنة عموما، وليس بقصد الجذام أو (Leprosy) في معناه الحديث. وكان القانون التوراتي القديم، يتطلب أن يتم عزل المرضى عن بقية المجتمع، كوسيلة لوقف انتشار المرض بين الأفراد الأصحاء. وبحلول العصور الوسطى، أصبح الناس يعتقدون أن المجذومين هم ضحايا للعنات البشر، وإن كانوا محل حب وعطف الآلهة. ورغم تحسن النظرة العامة للمجذومين في تلك القرون المظلمة، إلا أن المعتقدات الخاطئة ظلت تسود حول المرض وأسبابه. فمثلا كان يعتقد أن العدوى بالمرض يمكن أن تحدث، إذا ما نظر شخص مجذوم إلى شخص سليم، أو إذا ما وقف شخص مجذوم في مهب الريح المتجهة باتجاه أشخاص أصحاء. هذه المخاوف والخرافات، أدت إلى سياسة عزل المصابين بهذا المرض عن مجتمعاتهم رغما عنهم، وقصر إقامتهم على ما يعرف بمستعمرات الجذام. هذه المستعمرات التي كانت تبنى غالبا على جزر معزولة، كانت تهدف إلى وضع المجذومين تحت الحجر الصحي إلى نهاية حياتهم. وكان يفترض في المجذومين القاطنين لتلك الأماكن، الاستمرار في الحياة والبقاء في ظل ظروف صعبة جدا، تقل فيها المؤن، وتشح فيها الموارد، وينعدم فيها المأوى والملبس أحيانا. وهو ما جعل تلك المستعمرات تفوق الأساطير اليونانية في قسوتها ومأساويتها، حيث تحولت إلى بؤر بشرية ينعدم فيها القانون، وينتشر فيها القتل والتعذيب والسرقة والاعتداء. مثل هذه الصورة اللاإنسانية، لم تحدث في الماضي السحيق، بل قبل عقود قليلة فقط، وربما لا زالت تحدث حتى الآن في بعض مناطق العالم. فمثلا في عام 2001، توصل تحقيق قضائي في اليابان إلى حقيقة مفزعة، مؤداها أن إحدى أكثر دول العالم ثراء وتقدما على صعيد التكنولوجيا، عملت بشكل مستمر على انتهاك الحقوق الإنسانية الأساسية لمرضى الجذام.
وتبدأ القصة في عام 1953، عندما مررت الحكومة اليابانية قانونا شديد القسوة لمنع انتشار الجذام، سمح للسلطات الرسمية بانتزاع مرضى الجذام بما في ذلك الأطفال، من منازلهم ومن بين عائلاتهم، وتجميعهم في أماكن خاصة أو مستعمرات. وبالنظر إلى قلة الفهم الطبي حينها لطبيعة هذا المرض، والإيمان الخاطئ بسهولة انتشاره من شخص إلى آخر، ودرجة التشوه المخيفة التي يحدثها في أعضاء وأطراف المصابين به، يمكننا أن نجد بعض العذر لمثل تلك القسوة من الجنس البشري ضد أفراده المجذومين. ولكن مع اكتشاف علاج فعال ضد المرض، وزيادة الإدراك الطبي لطبيعة المرض، وخصوصا الصعوبة البالغة في انتقال العدوى من شخص إلى آخر، أصبح من المنطقي إطلاق سراح هؤلاء المرضى وإغلاق أبواب تلك المستعمرات إلى الأبد. ولكن ما حدث أن مسؤولي الصحة في الحكومة اليابانية ظلوا ينفذون القانون، وظلوا يزجون بالمئات من المرضى داخل أبواب المستعمرات كل عام، إلى أن تم وقف العمل بهذا القانون المشؤوم في عام 1996. ويعود السبب في ذلك إلى أن الجهات الصحية كانت تستفيد من الميزانيات التي تخصص لتلك المستعمرات، بالإضافة إلى الفائدة والمنفعة الشخصية التي كان يجنيها الأطباء القائمون على إداراتها والإشراف على مرضاها. ولم يتوقف الأمر على ذلك، حيث كشف التحقيق القضائي أن مئات الأطفال الذين ولدوا لأمهات مصابات داخل المستعمرات، تم وأهم أحياء من قبل المسؤولين الصحيين، مخافة أن ينقلوا المرض للخارج إذا ما أطلق سراحهم. ومغزى هذه القصة، هو أنه بعد قرون من الخطأ في الفهم والقسوة في التعامل، أصبح من الضروري أن نغير جميعا، أطباء وعامة، فهمنا وطريقة تعاملنا مع المجذومين. ويجب علينا الآن أن ندافع عن حقوق المجذومين، وأن نضع المعايير السليمة للتعامل معهم. فعلى عكس الأمراض الجنسية مثلا، لم يرتكب مريض الجذام خطيئة، ولم يقدم على معصية، يجعله عرضة لمثل هذا النبذ والرفض من قبل أفراد مجتمعه. فمرضى الجذام قبل إصابتهم بالمرض، كانوا آباء وأمهات وأبناء وبنات، وربما كانوا أيضا أفراداً فاعلين، مفيدين لأقرانهم ولمجتمعهم. فلماذا ينبذهم المجتمع الآن؟ ولماذا يلقي بهم في غياهب تلك السجون المسماة بالمستعمرات؟ مثل هذه الأسئلة تحتل أهمية خاصة بسبب وجود أكثر من ثلاثة أرباع مليون حالة إصابة بالجذام سنوياً، تحدث في أكثر من تسعين دولة حول العالم.
وبما أن الجهل والخوف يلعبان دورا رئيسيا في قسوتنا ونفورنا من المجذوبين، مما يجعلنا نهمشهم ونشيح عنهم بوجوهنا، فلابد هنا أن نستعرض القليل من الحقائق الأساسية عن الجذام. أولى هذه الحقائق وربما أهمها، هي أن ميكروب الجذام من الصعب جدا أن ينتقل من شخص إلى آخر. والدليل على ذلك أن الأطباء الذين يشرفون على علاج مئات المرضى داخل المستعمرات، ويمضون معهم معظم ساعات اليوم سنة بعد سنة، لا تنتقل إليهم العدوى. وهو ما