ربما كانت الثورة الإصلاحية أو الثورات التي اجتاحت عددا من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، تشير إلى الموجة الثالثة من الإصلاحات الديمقراطية التي عرفها العالم الحديث! فإذا اعتبرنا الثورة الفرنسية وما ارتبط بها من ثورات أدت إلى قلب الأوضاع السياسية والاجتماعية كليا في غالبية أنحاء عالم الغرب، هي بمثابة الثورة الأولى في سياق واحد، ثم اعتبرنا سقوط القلاع الاشتراكية في مطلع التسعينيات من القرن العشرين ثورة ثانية أزاحت أنظمة حكم تسلطية وشمولية، هو أيضا بمثابة الثورة الثانية، ومن ثم كانت أحداث جورجيا وأوكرانيا وقرغيزستان الانعطافة الثورية الثالثة... فإن العالم العربي يبدو خارج أي تماس مع ذلك السياق الإصلاحي عابر القوميات!
وربما ذكرتنا الإجراءات التجميلية التي تعكف على إدخالها بعض الدول العربية الآن، بإصلاح "التنظيمات" الذي تبنته السلطات العثمانية حين تشبثت بمحاولة البقاء في وجه الأفكار والتطلعات والنظم الحديثة التي انتشرت مع حركة توغل الجيوش الغربية الغازية في الشرق. لكن لأن الإصلاحات العثمانية، أو "التنظيمات" كما عرفت في حينها، اقتصرت على جلب السلع والآلات التقنية وإعادة تنظيم الجيش والإدارة والتعليم في حدود معينة، ولم تنفذ إلى الجوهر وهو المسألة السياسية ومشروعية نظام الحكم، فقد كان مصيرها الفشل ومن ثم لم تحل تلك "التنظيمات" دون سقوط الإمبراطورية العثمانية التي تقاسمت تركتها الدول الأوروبية الرئيسية حينذاك. وهكذا مرت موجة الإصلاح السياسي الأولى وجرفت معها الخلافة العثمانية، ثم مرت الموجة الثانية التي كانت تجلياتها واضحة في عالم الجنوب؛ في أفريقيا جنوب الصحراء وفي شرق وجنوب شرق وشمال آسيا وفي أميركا اللاتينية، بينما كان العالم العربي استثناء عصيا على تلك التغيرات التي مست بنية الحكم ونمط السلطة ومصدر المشروعية السياسية في معظم مناطق العالم. أما الآن حيث تنتقل الموجة الثالثة انتقالتها الخاصة، فالعالم العربي مخير بين التحول الديمقراطي الحقيقي والجاد والمرن، كما هي طبيعة الأمور في باقي أنحاء العالم، وبين السقوط والاندثار، كما حل بالدولة العثمانية حين كابرت في وجه التغيير ورياحه العاتية!.
سعد بن حمد - قطر