منتهى الانهزامية، وارتداء أثواب التنازل بألوانه الفجة، ما حدث في نيويورك حين قررت سيدة تدّعي الإسلام إمامتها للمصلين؟!.
أي فقه وأي اجتهاد وأي تحرر نسوي هذا الذي بحثت فيه تلك السيدة لتقول بجواز أن تكون السيدة إماماً تؤم مصلين رجالاً!.
أعجب من زمن يتخاذل فيه المسلمون ليعلنوا أنهم "فترينات" تحت الطلب لجذب رضا الزبون الأميركي مُصدر الإرهاب العالمي الأول.
ليعلن أيضا "الفاتيكان" عن اختياره لسيدة تخلف البابا، لتتحقق قمة المساواة بين الرجل والمرأة، ولترتدي سيدات الحاخامات "كسكيتة" اليهودي المتدين وتزاحم اليهود في تطرفهم وقناعاتهم المتعصبة العمياء!.
يتعاملون هم مع أديانهم - رغم كل تشوهاتها- باحترام وقدسية، والمسلمون أصحاب الدين الحق، خير أمة أخرجت للناس أضعف من أن يعتزوا بإسلامهم الدين المتسامح، الأخلاقي، الملم بتفاصيل حياة الإنسان وضروراته.
ماذا يحدث؟.
أزعم أنها من مراحل التفريغ للشخصية المسلمة، لتقول الولايات الأميركية إنها انتصرت حين دمرت العراق وخلفته مرتعاً للفتن ولجرائم الأعراض والفساد، ولتمر على لبنان تحطم زوايا اطمئنانه، ولتروع سوريا وتحاصر منافذ الكرامة وحب البقاء الشريف.
ولتكون الأهداف واضحة محددة قريبة من حقيقة أن المؤامرة تحيك خيوطها بدقة متناهية أدق كثيراً من عناية العناكب بخيوط غزلها الهش والذي لا يراه إلا المتفحص، المدرك لهذه الأشواك العنكبوتية الخطرة.
هي ليست حرباً صليبية - حسب زلة لسان بوش وزمرته- بل تجاوزتها لتكون حرباً عقيدية، تمس عقيدة المسلم وأوليات دينه. فالهدف ليس في فكرة مساواة بين الجنسين، أو في ادعاء أن الاجتهاد بقول إن الشريعة لم تحرم بالإطلاق إمامة المرأة. ما يحدث أن حكاية التفرقة بين المتدين والمتطرف لا يعترف بها السياسي الأميركي، وبالتالي عليه أن يقفز فوق هاتين الشخصيتين ليبلور نظاما دينيا جديدا وفق أهواء صانع اللعبة السياسية، والتي تفترض خضوع المسلم الضعيف العقيدة وتسيسه بالتالي، وغرس قيم مختلفة تجعله سهل الطي والفك الأمر الذي سيسهل مستقبلاً القضاء على دين عظيم، وتسويغه وفق هوى المصالح الخاصة.
أزعم أنهم بهذا الفعل والتشجيع عليه يحاولون إيجاد صيغة تخرجهم من مأزق الإنسان المسلم، الذي لا يمكن أن يساوم على دينه سواء أكان أصوليا - وهو لفظ يجب أن نكون متيقظين لدى استخدامه- أو كان مسلما يؤدي عبادة يومية لا أقل ولا أكثر- ليصبح الواقع بعدها طيعاً وسائغاً ويمكن التلاعب بعدها بمقدرات العصر والأمة وبمليار من البشر.
التعامل مع مثل هذه القضايا المتفجرة يستوجب توخي الحذر وسرعة الحسم لمثل هذا القمار بقضايا لا تستدعي أن تطرح، فالوقت لا يساعد على أن ندعّي أننا متفرغون من كل شيء وعلينا الالتفات إلى مثل هذه الأبواب الموصودة، لنستدرك وندعي أنها مجرد محاولات لطرح فكر اجتهادي مستنير ويطالب بالتجديد.
فهذا يغذي نار الغضب، ويحفز أصحاب الفكر الراديكالي على أن يذهبوا نحو قرارات قاسية معنية بالدفاع عن الإسلام في المقام الأول ومتجاهلة لويلات النتائج بعد ذلك.
لو أنهم يكفون شرهم عن كرامة الدين، لكفوا أنفسهم شر القتال وشر أشياء أخرى أصعب من أن تحصى.