من واجب أفراد المجتمع جميعاً الأخذ بالإحتياطات الاحترازية الصحية والإجراءات الوقائية الأخرى اللازمة، لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وبشكل جدي وبلا أي نوع من التهاون، ومنها في هذه المرحلة الحرجة التقيد التام بالتباعد الإجتماعي، ذ?لك في وقت تقوم السلطات الحكومية بتطبيق الإجراءات الوقائية المختلفة وبكل الوسائل المتاحة على مستوى الدولة من أجل حماية المجتمع، وكذ?لك يجب التوقف عن الزيارات بين العوائل في المنازل كباراً وصغاراً خلال هذه الفترة العصيبة.
وعلينا التعلم من دروس الآخرين: على جميع الدول ومجتمعاتها أخذ الدروس القاسية من الصين وإيران وإيطاليا، وقد انضمت الآن الولايات المتحدة الأميركية إلى القائمة، الدول الأكثر ابتلاءً بهذا الوباء حتى الآن، وكيف حدث تقصير في الإرشادات الصحية اللازمة مع بداية وباء فيروس كورونا، وإيطاليا الآن أكبر دليل على الآثار السلبية الناتجة عن تهاون شعبها على المستويين العائلي والاجتماعي العام في الأخذ بالإحتياطات الوقائية اللازمة ضد هذا الفيروس الذي صار يغزو العالم. وفي إيطاليا لقد مات قبل أربعة أيام وفي يوم واحد 960 شخصاً جراء فيروس كورونا وإن عدد الإصابات فيها والوفَيَات يرتفع يومياً وبشكل مخيف، ووفَيَات إيطاليا الآن من فيروس كورونا قد تجاوزت الصين في عددها الكلي.
وعليه، فإن أَهملت مجتمعاتنا وجماهيرنا العربية وفي الشرق الأوسط عامةً الإجراءات الوقائية الصحية الإحترازية اللازمة التي تنصح بها الحكومات التقيد بها، فإن النتائج ستكون فظيعة جداً على مجتمعاتنا.
إن الشباب دون الأربعين من العمر يعتقدون إعتقاداً خاطئاً بأنهم «مُحصَّنون» من هذا الوباء، وأنه يصيب الكبار في السن فقط والذين يعانون من حالات مرضيةٍ ما، وإن كان صحيحاً بالنسبة إلى كبار السن من عمر الستين فما فوق، ومَن هم في حالات مرضية معينة، أنهم معرضين للإصابة بفيروس كورونا أكثر من غيرهم من الأصحاء والشباب، إلا إن واقع الأمر هو أن الشباب غير محصنين كلياً من هذا الفيروس القاتل، والأسباب لذ?لك عديدة، منها ضعف المناعة الجسدية الطبيعة للجسد بسبب التدخين الذي يضعف قوة مناعة الرِّئتين لدى المدخنين من الشباب، كما أن المدخِّن المصاب بفيروس كورونا لَمِن الصعب جداً شفاءه منه نظراً لمضاعفات الإصابة على الرئتين بعدما كانتا أساساً قد تعرضتا للخطر لسبب التدخين المعروف طبياً أنه يضر الرئتين حتماً، وغير ذلك من الأسباب من ممارسات بعض الشباب غير الصحية في حياتهم الإجتماعية. ففي أمريكا، مثلاً، في أحدث تصريح صحفي، إن 54 في المئة ممن أصيبوا بفيروس كورونا، تتراوح أعمارهم بين 18 و49 سنة. هذا، علاوة على أن الشباب المُهمِلين عندما يحملون هذا الفيروس، وحتى لو كان بعضهم لم تظهر عليهم عوارض المرض الخفيفة قبل أسبوعين من الإصابة بالفيروس، إلا أنهم بحكم حملهم للفيروس فإنهم سينقلونه إلى غيرهم وإلى أهلهم في منازلهم كباراً وصغاراً الذين قد تكون مناعتهم الجسدية الطبيعية ضعيفة للتغلب على عوارض الإصابة من فيروس كورونا، ما قد يؤدي إلى إصابتهم بالمرض وموتهم الحتمي. وأن صغار السن أيضاً ليس كما يقال بأنهم «محصنون» تماماً من كورونا، فهناك منهم من أصيب به ومن مات بسببه.
ولذا، فهناك مسؤولية كبرى على الشباب في حماية الآخرين ولحماية أنفسهم، ولا يجوز الإستهانة بهذا الوباء الذي أصاب الغالبية العظمى من دول العالم وشعوبها، وبدأ يدمر اقتصادات الدول. وعلى كل إنسان على وجه الأرض مسؤولية عدم نشر هذا الوباء عبر الإهمال وإظهار أي نوع من التهاون تجاهه أو اللامبالاة قولاً وفعلاً.
وعن الموقف الإسلامي من التعامل مع الأوبئة المعدية، فإننا فلو تمعَّنا في الأمر، وفي الفهم الصحيح للقرآن الكريم، لأدركنا بأن هنالك أسباباً حتمية للأمراض التي تصيب الإنسان أو الحيوان، وعلينا أن نحاول قدر الإمكان تجنيب وتجنب تلك الأسباب، فالله تعالى يقول لنا في آية أخرى في القرآن الكريم: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المحسِنِينَ»، وهذا أمر قرآني وقائي واضح كلَّ الوضوح بأن نتجنب إلقاء أنفسنا إلى التهلكة، أي أن نتجنب الأسباب المؤدية إلى التهلكة.
وفي حديث صحيح آخر أوصى النبي أيضا بإبعاد المصابين من الأمراض المعدية عن الاصحاء بقوله «لا يُورَد مُمرِضٌ على مُصحٍّ»، أي: لا يُؤتَى بالمريض الذي مرضه معدي على إنسان صَحيحٍ سَليمٍ، وذ?لك مخافَةَ أن يُعديَه. كما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال أيضاً في حديث صحيح آخر «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد»، ذلك إن مخالطة إنسان عن قرب للشخص المصاب بمرض وبائي معدي قد تُسبِّب تلك المخالطة انتقال المرض الوبائي إليه.
وكذ?لك، بالمنطق السليم، إن الأمر الذي صدر من رسول الله حول «الفرار» من مرض وبائي، فإن سياقه يدخل أيضاً فيما يتطلب على الإنسان المسلم، وغير المسلم، اتخاذه من الإجراءات الإحترازية والوقائية اللازمة للحيلولة دون التعرض إلى الإصابة بمرض مُعد مميت أيا كان. وفي سياق الحَجْر الصحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ وقع بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا». كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أول قائد أمة في التاريخ أمر بالحَجْر الصحي واتخاذ التدابير والإحتياطات الصحية ضد الأوبئة والأمراض المعدية الأخرى. أما المسلمون والبشر عامةً فهم مأمورون بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشر على أنفسهم وعلى غيرهم في المجتمع، والباقي قَدَر الله رب العالمين، «والله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
عبدالخالق بن ذاعر اليافعي*
*سفير سابق