حضرت مجلساً عامراً بالنخب في مجتمعي، التاجر والمعلم والضابط والمحامي ومن ألقي على عاتقه الحفاظ على صحة الناس من عدوى «كورونا»، وآخرين نعلم مكانتهم وقدرهم.
«كورونا» كان مركز حديث الجميع، بلا منازع من قضية أخرى، وإن كان العالم مليئاً بعشرات المواضيع الحيوية.
قال لي أحدهم: هل سمعت بعض الذين ألقوا على «كورونا» ظلالاً ومسحةً دينيةً سلبيةً في طريقة تناول هذا المرض الذي يشبه الوباء على مستوى العالم، كما صرحت به منظمة الصحة العالمية مؤخراً؟
ينشر هذا البعض رسائل مرعبة، خلاصتها بأن «كورونا» من علامات قرب قيام الساعة، وأنه جاء عقوبة للبشرية لانحرافهم عن النهج الإلهي، هذه الرسالة تؤكد مقولة بأن الدين أفيون الشعوب.
هذه الشريحة تسيء إلى الإسلام، لأنها تقود بفكرها البشرية إلى الهلاك، فالمسلم السوي ليس قدَرياً بمعنى الجبر، بل القدر بالنسبة له سبباً وليس نتيجة حتمية.
فالفهم السقيم للدين، يورد الناس موارد الهلاك، فالفرار من القدر إلى قدر آخر جزء أساسي من الدين، وهو مثله مثل من قال المولى عنهم «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا إليها..»، والفهم الصحيح للدين يدفعنا نحو الحلول النافعة لحسن التعامل مع هذا الفيروس المستجد.
البعض يخلط بين القضاء والقدر، فتصبح الأمور وخاصة عند الأزمات مختلة، فالناس كلهم متساوون في القضاء الذي لا مفر منه، ولكنهم متفاوتون في الأقدار التي تتميز بالمرونة، وهو ما قام به عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في مواجهته طاعون عمواس في الشام.
كل الأديان في العالم تقوي المناعة الإيمانية لدى أتباعها ولها أثر إيجابي في استمرار الحياة، وليس الاستباق إلى النهاية.
العالم اليوم بحاجة ماسة لمن يقدم إليه مضادات حيوية من إكسير الحياة، وليس زرع اليأس والقنوط في مثل وضعه الذي يشترك فيه الجميع بلا فوارق مصطنعة.
علمني إمام مسجد بجامعة العين في العام 1976-1977، عن حقيقة القدر عندما شرح لنا ذلك في خاطرة مختصرة بعد إحدى الصلوات بقوله: تخيل مكتوب على رجل أن تصدمه مركبة مسرعة، ولكن صاحبها تدارك الأمر في الثواني الأخيرة فتوقف لينجو ذلك العابر للطريق، بسبب صدقة قدمها بين يديه أوقفت القدر الأول وسرى مفعول القدر الثاني وأعني به استمرار الحياة.
فالكل بحاجة، اليوم، إلى مبادرات من أمثال بيل جيتس في تبرعه السخي بمائة مليون دولار، والجمعيات الخيرية في أميركا التي تبرعت أيضاً بمبلغ 125 مليون دولار أخرى لأبحاث اكتشاف المصل الجديد لعلاج «كورونا».
فالتبرعات من أقدار الله، وكذلك الإجراءات الصحية والاحتياطات الواجبة وتعليمات السلامة التي تتخذها الحكومات من أجل وقاية شعوبها، كلها يدخل في أقدار الله، وقد جعلها في قدرة خلقه للتصرف في أمور دنياهم التي هم أعلم بها، بحكم تراكم الخبرات والتجارب على مر السنوات.
«كورونا» بالنسبة لنا، كمسلمين، نازلة من النوازل التي تحتاج إلى مزيد من التقرب إلى الله بالصلاة والدعاء للبشرية جمعاء، لأن الخلق كلهم عبيده.
فالدعاء يرد القضاء، فقد حدا ذلك برئيس أكبر دولة في العالم لتخصيص يوم للصلاة، فهذا ما قاله الرئيس الأميركي، على «تويتر»: (إنه لشرف عظيم لي أن أعلن أن يوم الأحد 15 مارس هو اليوم الوطني للصلاة. نحن دولة، طوال تاريخنا، نظرت إلى الله من أجل الحماية والقوة في مثل هذه الأوقات.. بغض النظر عن مكان وجودك، أشجعك على الالتفات نحو الصلاة في فعل إيماني. معاً، سوف ننتصر بسهولة).
وهو أمر لا يتعلق بـ «كورونا»، بل ومن قبل قد احترقت غابات أستراليا وقد طُلب من المسلمين صلاة الاستسقاء، من أجل المساعدة في عملية الإطفاء، بالإضافة إلى الترتيبات البشرية.
فأقدار الله لا توقفها شريحة من المسلمين تنظر إلى الأوبئة بعين الغضب والعقاب، وتنذر ألسنتها بالويل والثبور، فالله أرحمُ بخلقه من بعض خلقه.
*كاتب إماراتي