سبق أن قدمتُ «كول دوانج» للقراء في هذا العمود الصيف الماضي. إنه صحفي من دولة جنوب السودان، جاء إلى مقر صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في بوسطن، ضمن منحة «زمالة مانديلا واشنطن». قال دوانج لزملائه إن برنامج الزمالة جاء «بأفضل ما في أفريقيا» إلى الولايات المتحدة، وبالمقابل فسيعود بأفضل ما في الولايات المتحدة إلى أفريقيا. وهنا بدأت المشكلة؛ ففي مجتمع حر، ربما لا تمثل الأفكار خطورة، لكن دوانج أراد تقديم برنامج تلفزيوني يتحدث فيه سائقو سيارات الأجرة وبائعو الشاي، بصراحة، مع الساسة والمسؤولين. لكن الحكومة كانت تراقبه، ومنذ عودته من الولايات المتحدة ثارت أسئلة حوله، ربما طرحها في البداية زملاؤه مازحين، ثم أصبح يطرحها عليه رجال شرطة في ملابس مدنية: ماذا تعلمت في أميركا؟ وهل أنت جاسوس؟
وبعد أن تخلى دوانج عن الحذر في عدم الاقتراب من الخطوط الحمراء، تزايدت المراقبة. وتواصلت «راين لينورا براون»، الكاتبة المتخصصة في الشؤون الأفريقية في «كريستيان ساينس مونيتور»، مع دوانج مؤخراً، وأخبرها أن الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة منحته فرصة التفكير بشأن دوره والمساهمة التي يجب أن يقدمها لبلاده، لذلك تزايد اهتمام الاستخبارات المحلية به، وبدأت أسرته وأصدقاؤه يخشون على حياته. وهو يعلم أنه «إذا قبض عليك هؤلاء الأشخاص دون أن يعلم الجمهور، فلا أحد يستطيع معرفة ما قد يحدث لك». وتجددت الشكوك بعد إطلاقه برنامجاً تلفزيونياً مدعوماً من السفارة الأميركية في جوبا. ثم أدت تدوينة على فيسبوك، انتقدت سياسة الحكومة، إلى تلقيه مكالمات تهديدية.
بعدئذ، فر دوانج من البلاد وأقام في المنفى. وتشير براون إلى أن «قصته توضح مدى خطورة تقديم قصص الأشخاص العاديين لمن هم في الحكم، إذا كانوا لا يريدون سماعها». ويقول دوانج إنه لم يندم على المجيء إلى أميركا، وإن «هناك اتهام ضدي بأني أصبحت أكثر راديكالية بعد العودة من أميركا. والحقيقة أني حصلت على رؤية جديدة للعالم، وأصبحت أتصرف بطريقة تقودني للتشكيك في طريقة تفكيرهم».
وتنظر حكومات بعض الدول النامية إلى مثل هذا التحول الفكري على أنه الأخطر. وتمثل حياة دوانج ومشروعه المتعثر دليلاً يفنّد الفكرة المستهلكة، القائلة بأن المجتمعات الحرة تغزو العالم وبأفراد من داخله.
*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»