تقول حملة رئيس بلدية نيويورك السابق، مايكل بلومبيرج، ضمن شعاراتها الأخرى: إن «مايك سيجمعنا» في استشهاد لزعمه بأنه عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، جمع بين سكان نيويورك، لكن الجمع لم يتضمن مئات الآلاف من الأميركيين العرب والمسلمين في نيويورك، فهؤلاء تعرضوا أثناء تواجد مايك في منصبه، لبرنامج مراقبة واسع النطاق من شرطة نيويورك، التي عرّضت حقوق وحريات الأفراد للخطر، وأضعفت أسس الديمقراطية، وأضرت كثيراً بقيم الانفتاح والاحتواء لمجتمعنا.
فقد توصل تحقيق فاز بجائزة بوليتزر، أجراه صحفيون من اسوشيتدبرس، إلى أنه أثناء فترة تولي بلومبيرج منصب رئيس البلدية، راقبت شرطة نيويورك بعملها، مع عدد من ضباط الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. أي. أيه)، الأنشطة الاقتصادية المملوكة للعرب والمسلمين والمساجد، ورسمت خرائط للمناطق التي يتركز فيها المهاجرون العرب والمسلمون. ولإنجاز هذه الأهداف، أرغمت شرطة نيويورك وأوقعت في حبائلها مسلمين، كي يعملوا جواسيس لحسابها، والأشخاص الذين كانوا يواجهون مشكلات في وضعهم كمهاجرين، خُيِّروا بين العمل كجواسيس أو احتمال ترحيلهم، وبمجرد أن تحولوا إلى مخبرين، طُلب منهم أن يذهبوا إلى أماكن التجمع العامة، مثل المقاهي والمتاجر وأماكن العبادة، كي يرصدوا الأشخاص ويسجلوا ما يقال، وهذه المادة استخدمت فيما بعد في ملفات مراقبة مكثفة، رغم أن الأنشطة والكلمات التي تم تسجيلها في عمليات التجسس كانت بريئة، ويحميها التعديل الأول في الدستور.
وقد صُنفت التقارير بأنها «سرية»، وبعد أن نشرت اسوشيتدبرس تحقيقها، علمنا أن محتوى هذه التقارير كان تافهاً للغاية، لكن خطورتها تمثلت في أنها كانت بمثابة تصنيف عرقي في أسوأ صوره، وامتداد لذراع الدولة الطويل في الحياة اليومية للمجموعات، وأحد التقارير، على سبيل المثال، بشأن «المواقع التي تهم المصريين»، كان المقصود منه رسم «مراكز النشاط» أو التواجد للأميركيين المصريين، التي يمكن استخدامها «كمواقع للتنصت»، يذهب إليها المخبرون «وينصتون للنمائم، ويجسون نبض التجمع السكاني»، ومضى التقرير إلى تقديم صورة سكانية عن أماكن تواجد السكان من أصل مصري في نيويورك، ويصف بالصور المصاحبة كل المطاعم والأنشطة الاقتصادية الأخرى، التي يجتمع فيها أو يتسوق فيها المصريون والمهاجرون العرب الآخرون.
وهناك تقرير آخر مشابه عن مواقع اهتمام السوريين، وهذه التقارير السرية عن سكان نيويورك مثّلت انتهاكاً للحقوق المكفولة والأساسية للمواطنين الأميركيين، في ألا يكونوا هدفاً لمراقبة الحكومة أثناء ممارسة حياتهم العادية، ويشار إلى أنه، وخاصة بعد فحص التقارير، اتضح مدى الإهدار الهائل للموارد، فلم يخلق هذا المسعى تنافراً بين العرب من ناحية والشرطة وحكومة المدينة من ناحية أخرى فحسب، بل بدد عدداً كبيراً من ساعات العمل لإنتاج ملفات وتقارير بلا قيمة، وما علمناه منذئذ أن النتيجة الصافية لبرنامج بلومبيرج هذا، كانت صفراً، ولم توفر المزيد من الأمن لنيويورك، ولم يمثل البرنامج نتيجة إيجابية لبلومبيرج نفسه، الذي يزعم أنه «مرشح البيانات».
وبعد الكشف عن البرنامج، أنكر بلومبيرج، الذي كان في منصب رئيس البلدية، أي تصنيف عرقي، قائلاً: إنه «لا يجري توقيف الأشخاص لنفكر في الأديان، إننا نوقف الأشخاص لنفكر في التهديدات، ونركز جهودنا عليها»، وتجاهل بلومبيرج في تصريحه هذا، أنه في بداية كل تقرير «سري» كان يُكتب أنه يستهدف جماعة عرقية أو دينية معينة.
وبعد مرور سنوات، كان رد بلومبيرج أسوأ في الواقع، ففي مقابلة مع برنامج «نيوزأور» في قناة «بي. بي. إس» في الأيام القليلة الماضية، ذكر بلومبيرج أنه كان من الطبيعي رسم خريطة لكل الجماعات، والتجسس على أكثر التصرفات اعتيادية، وزعم المدافعون عنه أن أي محكمة لم تعارض رسم شرطة نيويورك خريطةً لمسلمي وعرب المدينة، بل العكس صحيح، فقد أوضح حكم لمحكمة الاستئناف في الدائرة الثالثة، أن «الاستنتاج بأن عدم إخلاص فرد يثبت عدم إخلاص الجماعة، وتسويغ التمييز ضد الجماعة ككل، يمثل إنكاراً لما يقره نظامنا القانوني، من أن جريرة المرء هي أساس الحرمان من الحقوق»، وأشارت المحكمة إلى أننا «مررنا بطرق مشابهة من قبل»، واستشهدتْ بسلسلة من المظالم السابقة التي يستنكرها معظم الأميركيين اليوم.
ومع استمرار الدفاع عن برنامج المراقبة، الذي استهدفت به شرطة نيويورك العرب والمسلمين، يضع بلومبيرج نفسه في الجانب الخطأ من التاريخ، مبرهناً على أنه لم يفهم بعد الضرر الذي تسبب فيه سلوك شرطة نيويورك، فقد انهارت الثقة، وعاش قطاع عريض من العرب في خوف من قوات تنفيذ القانون، وعرّض ذلك البرنامج حقوقنا الدستورية للخطر، وهي حقوق الاجتماع وحرية الرأي والحماية من عمليات التفتيش دون تصريح وسلامة الإجراءات، فهذا ليس مايك الذي يجمعنا، بل مايك الذي يستهدف العرب والمسلمين ويعصف بالدستور.

*رئيس المعهد العربي الأميركي